العدد 2029 - الأربعاء 26 مارس 2008م الموافق 18 ربيع الاول 1429هـ

ثلاث مبادرات نيابية = صفر

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

بعد تعطل المجلس النيابي لأربع جلسات، وبعد سجال طويل عريض من المباحثات والمناقشات المستفيضة من قبل جميع الكتل المشاركة، وبعد الشد والجذب، وبعد برنامج سياسي متكامل من الزيارات الرسمية مع القيادة السياسية، بشأن الاستجواب والسبل الممكنة للتعاطي معه في المجلس، لأهداف تفعيل الأدوات الرقابية، وحماية هذا الدور من الإنتقاص.

وبعد موت مقترحات وولادة أخرى، وبعد تفويت فرص الاستفادة الممكنة من بعض المبادرات السياسية وحياة البعض الآخر، يؤسفنا أنْ نصل في نهاية المطاف إلى ولادة ثلاث مبادرات سياسية مهمّة جدا وتوصف بكونها إيجابية، وبتعاون الجميع، ولكن خلاصة المبادرات تأتي صفرا. لا بسبب تصلب الوفاق وجمودها، فهي أكّدت من خلال تعاطيها مع كلّ المبادرات المطروحة بأنها إيجابية ومتعاونة، وبأنها تسعى دائما لتمد يدها للجميع بلا استثناء، ولكن لا يعني ذلك تخليها عن مبادئها ومواقفها وقراراتها وخياراتها.

تعطلت الجلسة الرابعة للمجلس بناء على مبادرة قادها النائب عادل المعاودة عضو كتلة الأصالة، واستجابت له الكتل كافة، وكان مفادها رفع جلسة النواب الـ 21 من أجل مزيد من التشاور بين الكتل بشأن الاستجوابات، وعلى الفور تمخض من المبادرة تجاوب إيجابي مماثل من الوفاق بطرح صيغة معدلة لاستجواب عطية الله، بإزالة العبارات المتعلقة بالتقرير المثير، بناء أيضا على مقترح مقدّم من قبل النائب صلاح علي عضو كتلة المنبر. والمبادرة الثالثة التي تولدت على أثر رفع الجلسة الرابعة، واستجابة الوفاق ومبادرتها بالصيغة الجديدة للاستجواب، جاءت من رئيس المجلس خليفة الظهراني حيث دعا إلى مشاورات بين الكتل والمستقلين؛ بهدف إزالة الاحتقان السياسي والخروج بتوافق لإنهاء الأزمة النيابية فكانت النتيجة صفرا؛ لكون المبادرات الثلاث لم تستطع تحريك القناعات، وتبديل حالة الفهم المترسخة.

فالجميع متمسّك بمواقفه، فمقدمو الاستجواب يصرّون على سلامته، ويؤكّدون حقهم في الإصرار عليه، ويرغبون في تفعيل الأدوات الرقابية، وعازمون على استجواب الوزير، محاولين الاستفادة من المقترحات والمبادرات المنطلقة هنا وهناك من أجل تعزيز الخطوة، بدليل تلقفهم مقترح صلاح علي خصوصا بأنّ هناك صوتا عاليا في المجلس يردّد مسألة الشبهة الدستورية والشروط القانونية، وحرصا من الوفاق على إزالة اللبس، وإصرار أكبر منها على الاستفادة من كل ما يطرح طبعا إلى جانب تمسكها بالاستجواب دعاها إلى سحب المرفق المتعلق بالتقرير المثير، رغم قناعتها المسبقة بأن ذلك لن يغيّر شيئا في الموضوع، ولكنها رغبة في الاستجابة. وهي في الوقت نفسه غير مقتنعة بالتخلي عن موقفها أو إلغاء الاستجواب أو سحبه، ولا يمكن أنْ تجر إلى مساحة إسقاط الاستجواب من خلال عرضه للتصويت وغرس أعراف خاطئة في المجلس تخالف اللائحة الداخلية، كما أنها ليست ضد استجواب الوزير منصور بن رجب، وتميل إلى تمرير الاستجوابين بلا مساومات.

في حين الموقف مغاير تماما لدى الطرف الآخر، فهم يُطالبون الوفاق بمزيد من التنازلات السياسية، الأمر الذي يأخذهم إلى مساحة طموح وآمال جدا عالية، فهم يتمنون لو أنّ الوفاق تسحب الاستجواب أو تلغيه، بالطرق الممكنة حتى لو اضطرهم الأمر؛ ليقايضوا ويربطوا الموضوع برباط غير معقول، من خلال ربط استجواب بن رجب باستجواب عطية الله، رغم تباين المواقف والآراء.

فالوفاق مع الاستجواب ولم تتحفظ على استجواب بن رجب ولن تقف ضده، في حين بقيّة الكتل الأخرى موقفها جدا واضح من استجواب الأخير، وتقف معه وتقف بالمرصاد أمام أيّ تحرك يقود لاستجوابه، حتى لو كان الثمن تقويض المجلس من صلاحياته الرقابية، بل أنّ البعض بالغ حينما طالب الوفاق بالاستقالة من المجلس؛ لكونها تتمسك بموقفها من الاستجواب، مخوّفا إيّاها بأنّ المجلس قد يتعرّض للحل في حال إصرارها، وأنّ الأجدى بها أن ترمي هذه الورقة وأن لا تحملها معها خوفا من أنها تنسف المجلس.

الجلسة الأخيرة للمجلس والمبادرة التي قادها النائب المستقل عزيز أبل قد ساهمت في إزالة شيء من الاحتقان في المجلس وإنْ كان لفترة محدودة، كذلك يحسب للظهراني موقفه الواضح من الاستجواب من خلال تصريحه بأن الاستجواب لم يسقط، مباعدا نفسه من توريطات أخرى هو في غنى عنها بعد مسلسل الأخطاء التي وقع فيها جراء أزمة الاستجواب.

أثناء أزمة الاستجواب وما لازمه من مشاهد التعاطي مع الملفات السياسية، يتضح انقسام المجلس على نفسه بين معارض وموالٍ، فالمعارض يدفع باتجاه تسريع الخطى والتأسيس لأعراف برلمانية تثري التجربة، في حين الطرف الآخر على النقيض، حيث يتضح بأنهم لا يفقهون العمل السياسي ولا البرلماني، ولا يعرفون كيف يدافعون عن حقوقهم، والحقيقة التي باتت واضحة بأنهم لا يعرفون إلاّ مصالحهم الشخصية، تاركينَ الوطن ومصالحه وراء ظهورهم.

المبادرات الثلاث التي انطلقت وكانت نتيجتها صفرا... مؤشر واضح على انقسام المجلس وتصلبه في مواقفه، والتصلب يدل على أنّ هناك ضغوطا كبيرة على كتل الموالاة، والضغط وحجمه وتأثيره لا يمكن إرجاعه إلى الشارع بل إلى جهة أخرى لها ضلع في موضوع استجواب الوزير المعروف. الضغوط تتمثل في حمايته من الاستجواب، وعدم تثبيت التهم عليه، هذا ما يدعونا إلى ضرورة التساؤل عمن يقف وراء عرقلة الاستجواب؟ ولماذا ؟ وإلى ماذا سيقودنا الاستجواب؟

لغز كبير يحتاج إلى حلول أكبر من المبادرات الثلاث التي قدّمت، وإلى وضوح أكثر في المواقف أكبر من تصريح الظهراني لمصير الاستجواب خصوصا أنّ هناك استجوابات قادمة لنفس الوزير وبتهم أخرى، ربما أكبر من التهم المساقة في الاستجواب الأوّل، فهل ستصمد كتل الموالاة أكثر مما صمدت؟

أظن أننا نحتاج حاليا لغرف إنعاش خاصة لتنعش الاستجواب الأوّل من الاحتضار فحالته صعبة نفهمه من المعطيات الحالية والخوف أنّ العدوى ربما تنتقل للثاني وهكذا ونحتاج أيضا إلى عقاقير ترفع المناعة وتمنع العدوى، وخصوصا مع وجود مفردة الضغوط التي يحاول البعض الترويج لها.

وأخيرا هل تفلح الضغوط في مساعيها وتقلص من حجم الدور الرقابي الذي يلعبه المجلس، أم تنجح إرادة الإصلاح والانتصار للمجلس وللدور الرقابي؟ نحتاج إلى وقفات أخرى لتحليل ما يستجد من أمور في هذا السياق.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2029 - الأربعاء 26 مارس 2008م الموافق 18 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً