بعد ما جرى في البحرين من أزمات الاستجوابات، لستُ واثقا من أنّ منصب الوزير أصبح شيّقا كما كان لوقتٍ قريب، ولا أظن أنّ لعاب البعض سيسيل على هذا المنصب كما كان في الماضي لأسبابٍ وجيهة.
الوزراء في البحرين لم يعودوا ذوي هيبة كما كانُوا، وربما هذه من إحدى حسنات المشروع السياسي لجلالة الملك، ورغم أنّ ذاكرتي لا تحمل الشيء الكثيرعن سلطة الوزير في العقود الماضية، إلا أنّ «الوزير» في كلّ الأحوال- ومنذ الفترة التي أعقبت الاستقلال- هي لفظة ذات واقع أكبر بكثير مما هي عليه اليوم.
أتمنى ألا يصل بنا الحال كما هو في دول عربية أخرى ذات تجارب نامية في الديمقراطية، فالمئات وربما الآلاف من نخب تلك الدول تذوقت طعم الكرسي الوزاري، وكلّ حكومة لا يتجاوز عمرها عن الأربعة أشهر، ولو سار الوضع على ما هو عليه فلربما يكون نصف الشعب وزراء سابقين، ونصفه الآخر في طريقه للوزارة!
الهالة الكبيرة التي كانت مُحاطة بالوزراء تلاشت أو خفت وطأتها (إذا أردت ألا يزعل أحد منهم)، ونظرة واحدة للمنصب الوزاري في البحرين، وخصوصا في الوزارات الحيوية تكفيك لتنظر بشفقة للوزير، ووفقا لما يخبرني بعض الوزراء أنّ حياتهم أصبحت روتينية، ففي كلّ أحد ينبري الوزير لجلسة الحكومة، وفي الإثنين يخرج من بيته لجلسة الشورى، وفي الثلثاء كثيرا ما يصبح «مادة دسمة» لألسنة النواب أو أسيرا لنقاشاتهم التي لا تنتهي، وفي الأربعاء يذهب الوزير للاجتماع مع اللجان البرلمانية، وأخيرا أضيف للوزراء مجلس التنمية الاقتصادية.
هذا الجدول الروتيني هو في الحالة الاعتيادية عدا الزيارات المفاجئة، والارتباطات الأخرى المتعلّقة بالمنصب، وبصراحة أتمنى على أحد الوزراء أنْ يجيب بشفافية، كم من الوقت يقضيه في الوزارة، وكم من الوقت يلتقي مع الجهاز الإداري، فضلا عن النزول للميدان والإطلاع بشكل واقعي على مساحة العمل.
لا أعرف ما الوقت الذي يقضيه الوزراء في مكاتبهم، ولكن يمكنني أنْ أغبط بعضهم الذي لا يتواجد في وزارته أصلا، فترى الوكيل قائما بأعمال الوزير، وهذه الحقيقة تتكرر في كل الوزارات، وربما يرجع الأمر لسبب آخر أنّ «الوزير» لم يعد صاحب قرار، وليس قادرا- في كثير من الأحيان- أنْ يبسط هيمنته على الوزارة.
ربما لا أكون مبالغا أنّ جهاز العلاقات العامّة في الوزارات بات يقوم بنصف مهام الوزراء، فترى التصريحات والبيانات تتوالى على وسائل الإعلام والتي تغطي على القصور الكبير الذي يكتنف عمل بعض الوزراء، والنتيجة أنّ هناك بونا شاسعا بين الواقع وصفحات الصحف.
الصنف الأكبر من وزرائنا يعشقون الصور، و السواد الأعظم منهم لا يملكون شيئا يضيفونه لوزاراتهم، والسبب أنّ حتى قرار تعيين الوزراء لم يعد مقتصرا على المعايير السابقة، إنما وصل بعض الوزراء خلسة أو صدفة لا تتكرر عن طريق الصفقات أو حتى الابتزازات من الكتل البرلمانية أحيانا، أو اتقاء لشر بعض مواقع النفوذ، وقليلا ما تكون الكفاءة هي الفيصل في التعيينات.
الوزراء اليوم لا يخفون خشيتهم من تجاهل هواتف النواب حتى المملون منهم، ويقلبون الدنيا رأسا على عقب ويحولون الوزارة إلى غرفة عمليات للرد على مقالٍ أو تصريح ناقد، مساكين وزراء آخر زمن دخلوا الوزارة ولا يعرفون متى سيثير نائب زوبعة ضدهم حتى يودعوا كراسيهم... وعدا فئة قليلة من الوزراء التي وجدت مَنْ يتبرع أنْ يستميت في الدفاع عنه، فإنّ الغالبية العظمى من الوزراء ينتظرون قرار تغييرهم أو (إخراجهم)... لا عزاء لكم يا «أصحاب السعادة»!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2026 - الأحد 23 مارس 2008م الموافق 15 ربيع الاول 1429هـ