بالنظر إلى المقال الوارد في صحيفتكم الصادرة يوم الأحد 9 مارس/آذار الجاري للكاتب عباس هاشم، والذي جاء كرد وتعقيب على رد سابق للوزارة عن قضية ارتفاع الأسعار ودور وزارة الصناعة والتجارة في ضبطها فإن الوزارة في الوقت الذي تتفق فيه مع الكاتب فيما يتعلق بسياسة الاقتصاد الحر والسوق المفتوحة وتعارضها مع القوانين التي تحدد الأسعار، فإنها تود توضيح بعض الحقائق الأخرى للكاتب وللعموم للفائدة.
أولا: بخصوص ما سطرتم عن المرسوم بقانون رقم 18 الصادر سنة 1975 والخاص بتحديد الأسعار والرقابة عليها وتعارضه مع اقتصاد السوق الحر، فإن الوزارة تتفق معه في ذلك وتؤكد أن القانون المذكور صدر في فترة كانت الدولة تقوم فيها بدور المستورد الرئيسي للمواد الأساسية كالرز والسكر والدهون وغيرها من المواد التموينية وقد تطلب الوضع في تلك الفترة أن يكون هناك نوع من التحكم في الأسعار من خلال تحديد أسعار السلع المباعة في أسواق المملكة، وخصوصا المدعومة منها. إلا أنه وفي ظل التطورات والمتغيرات الاقتصادية التي عمت العالم وتبنتها معظم الدول، بالإضافة إلى انضمام البحرين إلى منظمة التجارة العالمية كعضو مؤسس وإبرام اتفاقيات التجارة الحرة، اتجهت الدولة إلى نمط آلية الاقتصاد المحلي من النظام الحكومي المركزي والشمولي إلى آلية الاقتصاد الحر والسوق المفتوحة، وهي تعتبر آلية أفضل كونها تدعم تشجيع المنافسة من خلال إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص باستيراد جميع المواد الاستهلاكية والذي أدى بدوره إلى كسر الاحتكار وتعزيز المنافسة التجارية التي يستفيد منها المستهلك المحلي بشكل أساسي بوجود الكثير من الخيارات والسلع البديلة. وعلى رغم ذلك، فإن الحكومة مازالت حريصة على مواصلة دعم بعض المواد الاستهلاكية الغذائية الأساسية كاللحوم والدواجن والطحين وإبقائها على أسعارها المعروفة منذ أكثر من ثلاثين عاما، وذلك تأكيدا منها على أهمية توفير تلك المواد لكل المستهلكين بأسعار ثابتة.
ثانيا: وعلى رغم كون النهج الاقتصادي الحالي والمعني بتعزيز المنافسة التجارية بمملكة البحرين ينسخ القانون المذكور ويجعله في حكم الملغي حاليا، فإن وزارة الصناعة لديها من القوانين والقرارات والأنظمة التي تمكنها من ضبط السوق حتى في ظل تطبيق سياسة السوق الحر، لأن هذا النهج لا يعني رفع يد الحكومة وترك السوق بالكامل للممارسات المختلفة التي قد يضر بعضها بالمستهلك، وهذه مسألة لا نعتقد أن أحدا من الاقتصاديين يختلف عليها.
ثالثا: يذكر أن مملكة البحرين قد تمتعت بفترة طويلة من استقرار أسعار السلع الاستهلاكية وخصوصا الغذائية منها خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات وحتى أوائل الألفية وهذا يؤكد بشكل واضح أن سياسات الحكومة بتشجيع المنافسة التجارية من خلال فتح السوق لاستيراد كل أنواع السلع وإلغاء نظام الوكالات التجارية وكفاءة الدور الرقابي للأجهزة الحكومية ذات العلاقة قد انعكس إيجابيا على وضع وسلامة السوق المحلية. بينما الوضع الحالي والمتمثل بظاهرة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية محليا إنما هو انعكاس للوضع العالمي الذي تعاني منه كل دول العالم وليس مملكة البحرين فقط، وأسبابه كما أكدت الوزارة مرارا وتكرارا خارجية وليست بسبب ضعف دور الأجهزة الحكومية ذات العلاقة أو تهاونها في القيام بواجباتها كما يحاول الكاتب جاهدا تصويره في مقالاته عن دور وزارة الصناعة والتجارة في هذا الموضوع. وإذا لم يكن الكاتب على اطلاع كافٍ بالمتغيرات العالمية ومنها المناخية والزراعية والكلفة الصناعية وأسعار النفط الحالية وأثاراها السلبية وانعكاساتها على اقتصاديات معظم دول العالم خلال الفترة الراهنة والمتضمنة اقتصاديات دول مجلس التعاون كمملكة البحرين، فإن الوزارة على أتم الاستعداد بتزويد الكاتب بالكثير من الدراسات والتقارير العلمية التي تثبت ذلك.
رابعا: إن معظم حكومات دول العالم والأولى منها خصوصا مازالت تعمل بمنطلق تطبيق التوازن ما بين تعزيز حرية المنافسة التجارية بتفعيل اقتصاد السوق الحر من جانب والحرص على مصلحة المستهلك وسلامته من جانب آخر، وهذا ما تعمل عليه الحكومة من خلال سعيها المستمر لإيجاد الحلول المناسبة لظاهرة الغلاء وتضخم الأسعار. وبالنسبة لدور وزارة الصناعة والتجارة في هذا الخصوص فهي على سبيل المثال لا الحصر قامت بالكثير من الإجراءات المهمة لضبط الأسعار إلى جانب قرار مجلس الوزراء بتشكيل اللجنة الوطنية لمراقبة الأسعار تضم في عضويتها عددا كبيرا من الشخصيات الاقتصادية والأكاديمية من القطاعين الحكومي والخاص ومن جمعية حماية المستهلك، إذ أصدرت الكثير من القرارات التي أسهمت وبشكل كبير، وبشهادة الكثيرين، في ضبط الأسعار والتخفيف من الأزمة، إضافة إلى دورها في اقتراح الكثيرة من الحلول والمخارج والآليات التي من شأنها ضمان الأمن الغذائي للبحرين وقد كان من الحلول ما هو آني تم تطبيقه في الحال كالقرارات الوزارية الملزمة للمحلات التجارية والبرادات كالقرار الخاص بوجوب إعلان أسعار السلع عند البيع بالتجزئة، وذلك القاضي بتزويد إدارة حماية المستهلك بوزارة الصناعة والتجارة بالمعلومات المتعلقة بأسعار السلع والكميات المباعة منها وأية معلومات أخرى تطلبها، إضافة إلى القرارات المتعلقة بقواعد بيع لحم الغنم الأسترالي المدعوم والقرارات الخاصة بالضوابط الخاصة بالتخفيضات وكذلك القرار المعني بتخويل ومنح بعض موظفي حماية المستهلك صفة مأموري الضبط القضائي، إلى جانب تكثيف الحملات التفتيشية على الأسواق والمحلات التجارية في مختلف أنحاء البلاد وزيادة ساعات دوام المفتشين الذين لا يزيد عددهم حاليا على 25 مفتشا بحيث يوجدون في الأسواق منذ ساعات الصباح الأولى وحتى ساعات متأخرة من الليل والمواظبة على نشر الأسعار بالنسبة للسلع الأساسية بشكل يومي ومقارنة الأسعار بين بعض المحلات التجارية ونشر المقارنة حماية للمستهلك ومساعدة له للاختيار الأمثل للسلع، (وهذه نقطة أثارها كاتب العمود وانتقد عدم وجودها، فنؤكد له أن الوزارة تقوم بذلك منذ فترة طويلة وآخر هذه النشرات وليس آخرا ما أرسل للصحافة المحلية يوم الخميس 13 مارس الجاري، بالإضافة إلى المقترحات التي تبحثها حاليا اللجنة وتنظر في سبل تنفيذها ومن أبرزها إنشاء شركة وطنية من قبل القطاع الخاص لاستيراد المواشي وتعزيز مشروعات البيوت والمزارع البلاستيكية لضمان توافر الخضراوات المختلفة في جميع أوقات السنة، وبحث مشروعات الاستزراع السمكي بالتعاون مع الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية، وهذا إلى جانب الحلول المستقبلية والبعيدة المدى والتي من أبرزها جاءت لتأكيد مراقبة الحكومة للمحلات وضبطها للأسعار وبالتأكيد فإن هناك من المقترحات المهمة للجنة التي وإن كانت لاتزال في مرحلة المناقشة والمداولة، إلا أنها تسير حثيثا نحو التطبيق، كما تشكلت لجنتان أساسيتان للمساهمة في هذا الجانب يرأس إحداهما النائب جاسم السعيدي وهي مكونة من عدد كبير من المختصين من الجانبين الحكومي والخاص إلى جانب عدد من أعضاء المجالس البلدية في المحافظات الخمس، علما بأن هذه المعلومات تنشر مرارا وكان آخرها ما نشرته صحيفة إحدى الصحف المحلية الصادرة يوم الأحد 9 مارس 2008 في الصفحة الاقتصادية.
خامسا: وأخيرا يطيب لوزارة الصناعة والتجارة دعوة كل من لديه أفكار ومقترحات تساهم في التخفيف من ظاهرة غلاء الأسعار إلى التقدم بها للجنة المذكورة أعلاه وهي على استعداد تام لتبني هذه المقترحات إذا كانت مناسبة وتصب في معالجة الوضع والتخفيف من هذه الظاهرة.
العدد 2024 - الجمعة 21 مارس 2008م الموافق 13 ربيع الاول 1429هـ