العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ

وأخيرا... الشارقة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أهم الأخبار التي نقلتها وكالة (أ. ف. ب) أمس الأول، إضراب 1500 عامل في الإمارات للمطالبة بزيادة الرواتب.

العمال الآسيويون الذين يعملون لدى شركة تعمل في مجال الصيانة الكهربائية والصرف الصحي، قاموا بأعمال تخريبية داخل مقر سكنهم بالشارقة، وأتلفوا معظم الوثائق المكتبية، وكسروا واجهات المبنى وأحرقوا الطابق السفلي من مبنى الإدارة.

الشرطة الإماراتية أوضحت أن العمال بعد تخريب مقر سكنهم، خرجوا إلى موقف السيارات وقاموا بحرق 5 سيارات، وإتلاف 40 سيارة أخرى و28 حافلة باستعمال الحجارة وأدوات حديد. كما حاولوا الاعتداء على أفراد الشرطة ومسئولي وزارة العمل الموجودين في الموقع.

الخبر ليس غريبا هذه الأيام، وسيصبح مألوفا أكثر على أسماعنا مع مرور الوقت، فقد سبقته أخبارٌ من دبي قبل أسابيع، ومازلنا نقرأ عن إضراب آلاف العمال في عدد من الشركات في البحرين، وهو واقعٌ من مغالطة النفس النوم عليه.

قبل عام، كنت في زيارة لدبي، وعلى رغم ضيق الوقت حرصت على زيارة الشارقة عصرا، التي كان يشقها شارع الوحدة العربية، وهالني أن أرى الشارقة بعد عشر سنوات من الغياب وقد أصبحت «غابة من العمارات». سألت مرافقي الإماراتي: من سيسكن كل هذه المباني؟ فقال: لا تستغرب، فأكثرها مؤجر حتى قبل أن يكتمل.

بين فترة وأخرى... أتلقى رسائل إلكترونية من القراء تضم صورا لـ «عجائب الدنيا السبع» الجديدة في الإمارات، وهي صورٌ تبهر البصر لكنها لا تخدع البصيرة عن حقيقة التنمية الهشة القائمة على نشر الأبراج السكنية الضخمة. أبراجٌ كل ما فيها مستورد، ماعدا رأس المال. ولعل من الصدق مع النفس أن نطرح سؤالا: هل يمكن أن نبني برجا واحدا فقط اعتمادا على العمالة المحلية في أي قطر خليجي؟

العمالة الأجنبية تعرف اليوم سرّ قوتها، بعد أن أصبحت تتحكّم في جميع مفاصل حياتنا اليومية، من إنتاج الخبز إلى صنع سندويشات أطفالنا وكيّ ملابسنا وحلاقة شعر رؤوسنا... صعودا إلى التحكم في محلات السوبرماركت الكبرى و «المولات» وأسواق الذهب.

إننا مواطنون بلا وطن. إننا عراة. هذه هي حقيقتنا التي لا نريد أن نعترف بها، والكتاب والمفكّرون الذين بُحّت أصواتهم منذ عشرين عاما للتحذير من هذا المآل، ضاعت أصواتهم في البرية، وقد حان الآن وقت القطاف.

قبل عقدين، وفي الإمارات نفسها، تداعى الهنود للإضراب فيما بينهم، على إثر تداعيات هدم مسجد بابري في الهند، ولما جلس الإماراتيون صباحا، لم يجدوا بقالة ولا مخبزا ولا سيارة تاكسي تقلهم إلى السوق. كان جرس الإنذار الأول، لكنه لم يكن كافيا للاستيقاظ من الغيبوبة والخدر اللذيذ.

في دبي، تم تسفير عدد من العمال المضربين قبل أسابيع، وفي الشارقة أمس الأول، طوّقت فرق مكافحة الشغب المكان لمنع امتداد الأعمال التخريبية إلى أماكن أخرى. ويقال إن العمال عيّنوا قبل أسبوعين ممثلا لنقل مطالبهم لوزارة العمل لحلّها مع الشركة، وقبل تسلم الرد قامت جماعة من «المحرضين» بإعلان الإضراب.

النهضة العمرانية والأبراج التي تفخر بها الإمارات، ننسى أنها تقوم على أكتاف مليون عامل آسيوي يواصلون عمل الليل بالنهار، والصيف والشتاء، يحيا أكثرهم حياة السخرة في العصر الحديث.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً