العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ

للعقلاء فقط... وربما لآخرين أيضا

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

نعم للعقلاء فقط. وإذا أردنا أن نضيف من يستحق التأمل والتدبر فسنضيف شريحة ثانية لنقول: وللموضوعيين أيضا! وثالثة لا غنى عنها لكل من لديه حس وطني وحرص كبير على المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي ما فتئ يرعاه ويحرص على توفير الاهتمام اللازم له بأبوته وبحنانه وبحكمته المستمرة، ورابعة لكل من لديه حرص مماثل على نجاح التجربة البرلمانية الوليدة التي تحتاج منا إلى اهتمام ورعاية لأنها إحدى ثمار المشروع الإصلاحي، وخامسة للذين يحبون الخير كل الخير للوطن أدعوهم فقط إلى التأمل والتدبر في المشهد البرلماني الذي تغير كثيرا مع نهاية دور الانعقاد الأول وبداية دور الانعقاد الثاني، وتحديدا بعد طلب استجواب وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة من قبل كتلة الوفاق، فقد دخلنا مع بداية مرحلة طلب الاستجواب نفقا مظلما ونحتاج إلى سبيل للخروج منه وإعادة الماء الآسن إلى وضعه الصحيح.

فقد برزت بعد طلب الاستجواب عدة سيناريوهات بعد أن وجهت إلى الوفاق رسائل تحمل اللوم والعتاب بصورة أكبر؛ لكونها استعجلت في طلب الاستجواب إذ إنها تقدمت به نهاية دور الانعقاد الأول ولم ينضج الموقف، فكان موقف الكتل أنها لم تصوّت مع الاستجواب، على أمل أنها ستغير من مواقفها كثيرا بعد دراسة الطلب؛ مما رحّل طلب الاستجواب إلى دور الانعقاد الثاني. وفي دور الانعقاد الثاني نجد المشهد تعقد كثيرا.

ويمكن تلخيص المشاهد والسيناريوهات التي حصلت بانسحاب كتلة الوفاق في دور الانعقاد الأول بعد أن عرض موضوع الاستجواب على المجلس للتصويت عليه، وفي دور الانعقاد الثاني شهد المجلس تعطيل جلساته لثلاثة أسابيع بشكل متوالٍ وبأدوار مختلفة، وبقناعات راسخة لكل الأطراف. فكتلة الوفاق مقدمة الطلب تصر على موقفها وقناعتها بتثبيت موضوع الاستجواب على جدول أعمال المجلس، والكتل الأخرى ترى أن موضوع الاستجواب تشوبه شبهة دستورية وليس من المعقول أن يوضع على جدول الأعمال، ورئيس المجلس محتار في أمره بين هؤلاء وهؤلاء، فهو بين المطرقة والسندان، بين مطرقة الوفاق المصرة على تفعيل الدور الرقابي للمجلس وتجد أن هناك فرصة مواتية من خلال إصرارها على الاستجواب بصفته إحدى الأدوات الرقابية وقناعاتها بموقفها من موضوع استجواب عطية الله، وسندان الكتل الموالية ومن تساندها في الرأي من الجهات الرسمية المدافعة عنه في الكثير من القضايا التي تضر المصلحة العامة للوطن. فالموقف إنما هو ليضمنوا الحماية لأنفسهم ومصالحهم الشخصية. فالظهراني في هذا البعد غير مخيّر وإنما مسيّر في الأمر.

ومن المشهد نفهم تورط الظهراني في مسألة الاستجواب وتوريط الجميع معه سواء كانوا معارضين أو موالين، وخروجه من المأزق ليس بالأمر اليسير، وخروج المجلس من الأزمة التي تعصف به باتت شبه مستحيلة؛ بسبب التيبس والجمود وإصرار كل الأطراف على التمسك بآرائها، ضاربين بعرض الحائط مصلحة الوطن، وكل طرف من الأطراف له قناعاته، وله مصالحه الخاصة أيضا التي تدعوه لأن يكون جامدا ومتسمرا أمام رغبته.

فكما كان للجلسة الأولى نكهة خاصة التي سجلت بتاريخ 26 فبراير/ شباط الماضي والتي اضطر فيها رئيس المجلس إلى أن يغادر الكرسي الرئاسي، بعد عدم نجاحه في تهدئة الأوضاع واستمرار الفوضى العارمة في المجلس. انسحاب الرئيس يعني أن هناك ضغطا كبيرا يواجهه، وضغطا مماثلا من الكتلة المعارضة، وعملية التوفيق بين الأمرين بات معادلة صعبة فقرر حينها الانسحاب؛ لأنه لا يستطيع المواجهة. وكيف له أن يواجه الأمر وهو في قرارة نفسه يرى أن الوفاق على حق في إصراره على الاستجواب بصفته أهم الأدوات الرقابية للمجلس من ناحية، وسلامة الاستجواب من الناحية القانونية من الناحية الأخرى، فضلا عن قناعته الشخصية بمسألة استجواب عطية الله بدليل أنه قد صوّت سابقا مع الوفاق على مسألة الاستجواب، وهذا أمر طبيعي ومتوقع منه لكونه ليس مع الفساد ولا يمكن له أن يقف مع المفسدين في خندق واحد، وإنّما صار لزاما عليه أن يقف ضده.

الجلسة الأخيرة للمجلس النيابي التي سجلت بتاريخ 11 مارس/ آذار الجاري كان لها إيقاع ونكهة يختلفان عن الجلسات الأخرى فقد سجلت سابقة نوعية للكتل الموالية. ما حصل انسحاب الكتل المعارضة لاستجواب عطية الله من الجلسة؛ بسبب إصرار الوفاق على وضع موضوع الاستجواب على جدول الأعمال. انسحاب الكتل تأكيد لمسألة تبادل الأدوار التي يلعبها نواب المجلس النيابي، فليس من المعقول أن يتعامل المجلس مع الموضوع الساخن المطروح بأنانية، بمعنى أن يضيّقوا الخناق على الظهراني لينسحب في كل مرة من المجلس بعد أن تعجز مطرقته عن تهدئة أوضاع الجلسة ومواصلتها. فهذه المرة أخذت الكتل زمام المبادرة لتنسحب من الجلسة، ولكن التئامها لن يكون بالسهولة نفسها.

جلسات الخلاف على مسألة الاستجواب سخنت الأجواء البرلمانية وشهدت منصة المجلس الجماهير المهتمة بالموضوع، ورصدنا الكثير من التحركات كما رصدت عدسات الكاميرات الكثير من اللقطات المثيرة للجدل، ولكن الموضوع ذاته لم يحل.

والسؤال هذه المرة للعقلاء فقط: هل مسألة استجواب أحد الوزراء تستحق منا كل تلك المناكفات؟ وهل إصرار الوفاق على تفعيل الدور الرقابي يعد جريمة؟ وهل الاستجواب بعبع يجب أن يطار؟ أم أنه شر لابد منه في مجلس النوب؟ وهل المسرحية ستتكرر لو كان الوزير المستجوب وزيرا آخر أم أن الأمر سينسخ؟ وهل نرجو من المجلس النيابي خيرا إذا ما حارب نفسه وقلّم أظفاره بنفسه؟ وهل وهل وهل... للعقلاء تطول القائمة ويحتار الجواب.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً