تدرج فن الرسم التشكيلي في مستويات تاريخية عدة، تشكل خلالها بالأبعاد التي يخرج بها العمل الفني في يومنا الحالي بصورته التجريدية التي يراها البعض ضربا من الخزعبلات التي يتمادى الفنان حينما يفكر في عرضها أمام الجمهور خلال معرِض يدعو إليه رجال الصحافة والإعلام ليقوموا بتغطيته، من دون أن يحتوي فنا سوى «الخرابيش».
واقع العملية كما وضحها أحد رواد الفن التشكيلي في البحرين - خلال أحد اللقاءات السابقة التي جمعتني به، التي وضعت قدمي في الزاوية التي أتمكن عبرها من أن أقرأ العمل - أن الفن في سالف الأزمان كان مجرد تصوير للمناظر والأشخاص، ورسمهم بصورتهم الطبيعية، حتى كانت جمالية العمل تقاس بمدى دقة الفنان في طبع التفاصيل الدقيقة على لوح الرسم.
وشيئا فشيئا أخذت مدارس أخرى بالدخول في هذا المجال، إذ أخذ البعض منحى تقديم الصورة بانطباعه الخاص تجاهها، فلا يعود الوجه وجها كاملا بكل تفاصيله، وإنما انطباع الفنان للوجه الذي قد يبدو بائسا حينا، أو سعيدا حينا آخر، لتجد في اللوحة ما يوحي بالبهجة والوجه، من دون أن ترى فيها وجها!
ومع التقدم في هذا المجال وبروز المنافسة في ظل الحداثة التي طرقت أبواب المجالات الثقافية كافة، وجد الفنانون أن إبراز أي ملمح يوحي بحقيقة اللوحة لهو أمر كلاسيكي تقليدي، وبدأوا تجاوزه عبر رسم لوحات مجردة من أي تفاصيل، لا تحتوي سوى على انفعالاته وانطباعاته تجاه أي موقف، لتجد أمامك خليطا من الألوان، تقطعها خطوط حمراء، وتجد شرحا من الفنان أن العمل جاء في لحظة غضب وقهر عبّر عن انفعال حاد مثلته الضربات باللون الأحمر.
نقول رفقا! إذ المشاهد لم يألف ولم يتسنَ له خلال دراسته أن يعي ما حصل ليصل حال الفن إلى ما هو عليه. فلا يجب للفنان أن تثيره تعليقات مثل «خربشات» إن لم يتح لمشاهده الفرصة لكي يفهم ما يحدث أمامه، علما أن كثيرا من المصفقين والمطبلين لهذه الأعمال هم من النوع الأول، إلا أنهم يحرصون على أن يظهروا بصورة المثقفين العارفين لما هو أمامهم.
العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ