العدد 2021 - الثلثاء 18 مارس 2008م الموافق 10 ربيع الاول 1429هـ

أزمة استجواب أم مطلب الحرب القادمة؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

في إحدى المرات، عبّر أحد النواب عن رفضه لوصف كتلته بالموالاة، وقال إنهم معارضة، مثلهم مثل كتلة الوفاق، غير أن هذه الكتلة أثبتت أنها أكثر من مجرد موالاة، إذ ما الذي يجعلها تستميت في رفض الاستجواب، وتبحث عن شبهات دستورية من هنا وهناك؟ أليس ذلك من وظيفة الحكومة؟ لو كان هؤلاء النواب مستقلين في قرارهم، لبحثوا - دعما لزملائهم - عن مسّوغات لتمرير الاستجواب، وكان يُفترض بهم التشبث برأي مستشار المجلس عمرو بركات في صحة طلب الوفاق بالاستجواب؛ وهو الذي يحمل أكبر مرتبة علمية أكاديمية (بروفيسور)، ولكنهم بدلا من ذلك، بحثوا عن مبررات ضعيفة لرفض الاستجواب.

كتلة الوفاق الآن أمام خيارين، كلاهما أمرّ من صاحبه، التنازل عن الاستجواب تحت مبررات ومطالب كتل المولاة، لأن ذلك يعني التنازل عمّا تبقى من آمال في المجلس، وهي الرقابة والمحاسبة. والثبات على الموقف الرافض لجدول أعمال للمجلس خال من الاستجواب، يجر لأكثر من احتمال، الاحتمال الأول، أن تبادر السلطة لعزل الوزير ومن ثم يستمر المجلس في أعماله، وهذه لو حدثت، تعد مكسبا سياسيا للمعارضة، بجانب أنها مكسب إعلامي للمشروع الإصلاحي.

والخيار الآخر هو أن يُحل المجلس، وحلّ المجلس بدلا من التضحية بالوزير يؤشر إلى رغبة مسبقة من قبل بعض الأطراف بحله، بعد أن حاصرتهم مراقبة ومساءلة النواب للوزراء. وإبقاء المجلس هو رغبة ملكية من أجل إحداث توازن بين السلطات للحدّ من فساد بعض الأطراف الرسمية والعمل على تقييدها، إلاّ أن بقاء المجلس مع الإصرار على الاستجواب، يتعارض مع مصلحة أطراف أخرى التقت إرادتها على حل المجلس. وهكذا يتضح أن لا علاقة للوفاق وموقفها المتصلب من حل المجلس فيما لو حدث ذلك مستقبلا. وتلميحات رئيس المجلس خليفة الظهراني بحل المجلس، إما مناورة لقياس مدى صلابة موقف الوفاق، أو مؤشر لوجود قرار مسبق بحله، ولكن الاستفادة من ذلك وتوظيفه لاتهام الوفاق بأنها السبب وراء حله.

ويشير البعض إلى أن الرغبة في حلّ المجلس فيما لو افترضنا وجودها، لا علاقة لها بذلك كله، ولكن لها علاقة بما المنطقة مقبلة عليه من حرب محتملة، تكون الأطراف الرئيسية فيها، إيران وحزب الله من جهة، وأميركا و”إسرائيل” من جهة أخرى، إذ إنه وبعد حرب تموز، لم يعد الأمر يحتمل سكوت أميركا و”إسرائيل” عن تنامي قوة حزب الله، والتي ثبت وقوفها بفاعلية مع الفلسطينيين، حتى اعتبروها تمثل عمقا استراتيجيا لقطاع غزّة باسم المقاومة. وفي السكوت عن حزب الله، خنق تدرجي لـ “إسرائيل”، وإقلاق دائم لراحتها، ما يستدعي اقتلاع قوى الممانعة متمثلة في إيران وحزب الله وسورية من جذُرِها.

هذه الحرب تستدعي إثارة النزعات الطائفية مسبقا وقبل نشوب الحرب، وذلك لتحييد أهل السنة وعدم تكرار مواقفهم التي فاجأت الكل في دفاعهم المستميت عن حزب الله أثناء حرب تموز. البعض يرى أن ما يجري في الكويت، له علاقة بمتطلبات المرحلة المقبلة، ويتواكب ذلك، مع سماح إحدى حكومات المنطقة بنشر كتب الثمانينات التكفيرية في حق الطائفة الشيعية، بجانب نشر بعض المواقع الطائفية المحلية دراسة تدّعي احتمال نشوب صراع طائفي في البحرين. والمراقب لما يجري في لبنان يركن إلى مثل هذا التحليل، حيث انشقاق الشارعين السني والشيعي، ما يكشف ظهر حزب الله ويقلّص حاضنته في أي حرب مقبلة مع “إسرائيل” وأميركا.

وحين ترتفع دعاوى مؤامرات قلب أنظمة الحكم، أو الانتماء لأحزاب سرية لهذا الغرض، فهذا قد يعني نهاية العد التنازلي لاشتعال الحرب، والهدف تحقيق اصطفاف طائفي ضد الشيعة، بعد تخويف الشارع السني من محاولات شيعية لقلب أنظمة الحكم لصالح إيران، وهي أساليب دأبت أجهزة الاستخبارات على استخدامها كثيرا. فالأنظمة العربية المعنية في منطقة الحرب تدرك أن استثارة الشارع السني ضد الشارع الشيعي ليس من صالحها وصالح استقرار أوطانها على المدى البعيد، ولكنها عاجزة عن مقاومة أو رفض الأوامر الأميركية. ويبدو أن ما يحدث في الكويت قد يحدث في مناطق أخرى تتواجد فيها نسبة يُعتد بها من الشيعة. وبجانب تحييد الشارع السني أثناء الحرب، فإن الهدف الثاني من مثل ما يجري في الكويت، هو توجيه ضربة استباقية وقائية تمنع أي احتمال لتحرك شيعي يشاغب الأنظمة تعاطفا مع إيران أثناء نشوب الحرب.

الوفاق كما يبدو، لم تعد تقبل بوجود برلمان يمنع حتى مجرد التحقيق في قضايا تؤرق شارعها مثل التمييز، أو تمنع حتى مجرد استجواب وزير، وهي إن سكتت جلسة أو اثنتين من أجل تمرير بعض المشاريع، فلن تسكت والكل يدرك جيدا، أن وضع البحرين لا يتطابق مع بعض البلدان المجاورة، وأن أعرافا جديدة قد نشأت، وأن حل البرلمان في حال اشتعال حرب إقليمية، ليس في صالح البلد، ولن تكون فرصة سهلة لتصفية ملف مطالب المعارضة مطلقا، بل إن حل البرلمان سيفتح الباب لإعادة سقف المطالب مجددا، والأيام المقبلة ستثبت أن قوى المعارضة بكل أطيافها، لم تعد تطيق العودة إلى الوراء.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 2021 - الثلثاء 18 مارس 2008م الموافق 10 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً