عندما عصف استجواب عطية الله بالمجلس النيابي، طوال الجلسات الثلاث التي تعطلت فيه أعمال المجلس نجد أن هناك سيلا جارفا من التحليلات، والقراءات السياسية والقانونية من قبل المراقبين والمحللين والمهتمين بالمشهد السياسي والبرلماني، إذ ظلوا يتابعون بشغف مواقف وآراء واجتهادات الكتل المختلفة بشأن الاستجواب، وكل يدلي بدلوه، ولا أحد يعلم إلى الآن ما الذي سيؤول إليه المشهد في نهاية المطاف هل سيكون الاستجواب في النهاية، أم أن أمرا آخر ليس في الحسبان سيحدث وسيخلص المجلس من أزمة الاستجواب؟
في هذا المقال سأستعرض المقترحات التي تقدمت بها كتلة الوفاق، الكتلة المصرة على الاستجواب، إذ قدمت «الوفاق» أربعة اقتراحات معقولة جدا وتستحق منا التأمل والتدبر فيها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على حرص «الوفاق» على استكمال الجلسات الاعتيادية، وعدم رغبتها المبيته في الإضرار بمصالح المواطنين، فهي لم تشارك في التجربة إلا من أجل نصرتهم، غير أن الواقفين كالطود المنيع هم من يحاولون الإضرار بمصالح الوطن والمواطنين وينعتون الغير بما فيهم من عيوب.
المقترحات التي قوبلت بالرفض أذكرها مع الوقوف عندها لمزيد من الفهم والتحليل:
المقترح الأول: أن يبعث طلب الاستجواب إلى لجنة الشئون المالية والاقتصادية، وأن تنتظر اللجنة رد لجنة الشئون التشريعية والقانونية بشأن وجود شبهة دستورية من عدمها قبل أن تبدأ عملها، لاحظوا جيدا أن المقترح يحاول تفنيد ما تروج له الكتل المعارضة لحقيقة الاستجواب من خلال الترويج لمسألة الشبهة الدستورية، غير أن الأمر بخلاف ما تدعيه، بدليل أنه لو كان موقفها سليما حقّا لكانت قد وافقت على المقترح لتأكيد ما تدعو إليه، لكنها للأسف كانت متأكدة يقينا أن مزاعمها لا سند لها؟ وموافقتها على هذا المقترح يمثل بمثابة المقتل لها ولزيف ما تدعو إليه، لذا كانت النتيجة الطبيعية للمقترح السقوط.
المقترح الثاني: أن يبعث طلب الاستجواب إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية لتنظر في دستوريته قبل أن تبدأ عملية الاستجواب، وهذا المقترح لم تترك الحكومة لأحد أن يعلق عليه، والدليل ما فعلته بالمستشار القانوني للمجلس عمرو بركات بعدما سرح وسمحت له بالسفر خارج البحرين بعد أن بين موقفه بصورة واضحة من الاستجواب وسلامة الاستجواب، وليس كما يدعون بأنه قد رفض الإدلاء برأيه في الاستجواب خوفا من التبعات كما يحاول البعض أن يبيع ذلك على المهتمين، واضح جدا تخبط الحكومة في هذا الشأن إذ إنها استعانت بآخر يوافقها الرأي والمشورة، فكان من المتوقع أن يكون مصير المقترح كحال المقترح السابق بعد أن فقد المجلس مصداقيته القانونية.
المقترح الثالث: أن يطلب رئيس مجلس النواب من لجنة الشئون التشريعية والقانونية النظر في الموضوع، وإذا وافقت اللجنة يمكن أن يبدأ الاستجواب، هذا المقترح أيضا سقط؛ لأن رئيس المجلس أيضا لا يريد أن يتحمل مسئولية الخطوة وخصوصا إذا جاء الرد بخلاف قناعاته وبحسب ما يملى عليه؛ لأن النتيجة ستقود إلى الاستجواب ولا يريد أن يكون هو المتسبب بل يريد أن يوصد الباب نهائيا، حتى وإن كان الثمن أن يتجاوز الدستور واللائحة الداخلية وتحجيم الدور الرقابي للمجلس الذي يرأسه.
الاقتراح الرابع: أن تقبل الكتل بتشكيل هيئة تحكيم متوافق عليها من الجميع للنظر في الموضوع، هذا المقترح أيضا سقط؛ لأن جوهره أن يشترك الجميع في اتخاذ قرار في طلب الاستجواب في حين أنهم يرغبون في صناعة قرار يتناسب مع جنسهم ويمثلهم ولا يتعارض مع مصالحهم الشخصية، كما أنهم يحاولون البحث عن بدائل من شأنها أن تجرد الآخرين من صلاحياتهم في صناعة القرارات والتسبب في توريط الآخر بإحراجات لا حدود لها مع قواعده الجماهيرية.
الاقتراحات الأربعة وُئدت، إذ قوبلت بالرفض في حين أنهم طرحوا خيارا بديلا وهو أن يُطرح الطلب من دون نقاش على الجلسة مباشرة لكونه تشوبه شبهة دستورية على حد قولهم المزعوم، وعليه يجب التصويت عليه لحسم الموضوع، أصبحت الشبهة الدستورية بمثابة مسمار جحا، ولأنهم يمثلون الغالبية فإن النتيجة واضحة ومضمونة، والأخطر من ذلك التأسيس لأعراف برلمانية لا يمكن السيطرة عليها وستضر البلاد وتأخذها بعيدا عن الطموحات المرتقبة. الجلسة الرابعة من عمر الاستجواب تحمل ربما الكثير من المفاجآت التي ستضع النقاط على الحروف بعد سلسلة جولات ماراثونية قامت بها كتلة الوفاق مع الرؤوس الكبيرة في العمل السياسي، وبعد سلسلة من المفاوضات مع رئيس المجلس وبقية الكتل، فهل سينتصر المجلس على نفسه في الجلسة المقبلة أم سيتكرر السيناريو من جديد؟ وإن تكرر فهل ستكون الاستجابة نفسها أم إن هناك استجابات أخرى إيجابية تعيد الحق للمجلس وتنتصر له حفاظا على الدور الرقابي المهم الذي يجب أن يلعبه المجلس؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2020 - الإثنين 17 مارس 2008م الموافق 09 ربيع الاول 1429هـ