يبدو الإرباك واضحا بشكل كبير، وإشكال الوضع العراقي المستجد أعقد بكثير من أن يبسط في بضع كلمات أو مواقف، قد تصدر عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، أو عن رئيسه السيد محمد باقر الحكيم، وخصوصا عندما يدور الحديث عن الحرب الدائرة على أرض العراق بين القوات الأميركية - البريطانية المتحالفة من جهة وقوات النظام من جهة أخرى.
ويصبح أي موقف أو كلام يخرج، ما لم يكن موزونا بدقة أو تمت تصفيته تكرارا، تأثيرا سلبيا قد يطيح بالإرث المتراكم على مدى أكثر من ثلاثة عقود من النضال، أو يقطع الطريق على أي فرصة لاستثمار المستجدات التي قد أو سوف تحدث في بلاد الرافدين.
من هنا فإن المعارضة الإسلامية العراقية الرافضة للتعاون مع الإدارة الأميركية والمجلس الأعلى وقوات فيلق بدر بالتحديد في وضع لا يحسدون عليه، لوقوعهم بين مطرقة التحالف الذي يضغط للاستفادة منهم من دون أي مقابل، وسندان النظام الذي ان خرج منتصرا من هذه الحرب، ومن المستبعد ذلك، فإنه لن يتوانى عن شن حملة تقتيل جديدة في صفوف كل من يشتبه بأن فيه رائحة من معارضة.
انطلاقا من هذا الواقع المعقد، كان لابد من التفتيش عن منفذ مختلف للدخول إلى ساحة الحدث العراقي التي يتوزع طرفاها النظام من جهة وشبه التحالف الدولي من جهة أخرى.
فما بين التأييد الضمني للفتوى الصادرة عن الحوزة العلمية في النجف الأشرف وتقبلها في شقها الأول وهو مقاومة الاحتلال الأجنبي واسقاط شقها المرتبط بالنظام والدفاع عنه، وبين الدعوة إلى مقاومة الوجود الأجنبي إذا ما تحول إلى احتلال أو استقرار وسيطرة على العراق، وجد المجلس الأعلى نفسه أمام ضرورة الخروج بصيغة تحمل مشروعه أو رؤيته للوضع العراقي الحالي وما يستجد تقوم على المواءمة بين الواقع والنظر إلى المستقبل بانتظار الفرصة المناسبة.
ففي حين يرى المجلس الأعلى أن الحرب القائمة على أرض العراق لا تخدم مصالح الشعب العراقي بل طرفي النزاع ويتحملان مسئولية نتائجها، فإنه أعاد مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته الأخلاقية والقانونية بمساعدة العراقيين للقيام بالتغيير بأنفسهم، من خلال تمكينهم من تطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولاسيما القرار (688) الذي تحدث عن منع القمع كمقدمة كي يتمكن العراقيون من التحرك بحرية وبالتالي تغيير النظام الدكتاتوري بأنفسهم واسقاطه، وخصوصا ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول العام 2002، الذي أكد على هذه النقطة.
وأمام استبعاد الحل العراقي الذاتي بالتغيير الداخلي، ودخول الصراع دائرة الحرب المباشرة بين الولايات المتحدة ومن معها والنظام في بغداد وجدت المعارضة الإسلامية العراقية عامة، والمجلس الأعلى خصوصا، نفسها في موقع حرج، إذ لا يمكنها الوقوف إلى جانب النظام والتخلي عن أبجدية مواجهتها الطويلة معه، ولا يمكنها أيضا الوقوف إلى جانب القوات الغازية والموافقة على سلب العراق ومصادرة ثرواته وقتل أبنائه.
لذلك وجدت هذه القيادة نفسها مضطرة لاستجماع قواها، وإعادة تنظيم أولوياتها وتحديد أهدافها من جديد، وتأطيرها ضمن أسس تتمحور حول النقاط الاثنتي عشرة التالية:
عدم المشاركة في الحرب لا إلى جانب النظام ولا إلى جانب قوات التحالف الأميركي البريطاني.
رفض الهيمنة الخارجية وما تمثله من خطر على مستقبل العراق وكذلك رفض الاستبداد الداخلي.
السعي لإقامة حكومة وطنية ورفض فرضها من الخارج.
التأكيد على رفض الترحيب بالوجود الخارجي إذا كان احتلالا.
التأكيد على أن التغيير هو من حق الشعب العراقي نفسه بمساعدة المجتمع الدولي، وليس عبر فرضه من الخارج.
استمرار الحوار مع الإدارة الأميركية طالما كان يصب في مصلحة الشعب العراقي، وتوقفه إذا تعارض مع هذه المصالح.
الضغط من أجل ايقاف الحرب ومقاومة الهيمنة الخارجية.
دعوة قوى المعارضة، وخصوصا قوات فيلق بدر الموجودة في الداخل، للتعاون مع الشعب والقوات المسلحة من أجل الحفاظ على البنى التحتية والمؤسسات والأمن العام وسلامة المواطنين.
استمرار التباحث والتشاور بين مختلف قوى المعارضة للتوصل إلى وضع صيغة توضح سبل تولي الشعب السلطة بعد سقوط النظام.
في ظل استبعاد الانتفاضة كتكتيك حالي من دون اسقاطها من الحسابات السياسية والعسكرية لاحقا وبناء على الظروف، تم توجيه الدعوة للشعب لأخذ زمام المبادرة عمليا باسقاط سيطرة النظام على الأرض وتوليها بنفسه، مع التأكيد على مقاومة الهيمنة الخارجية.
رفض الاستعمار الجديد والدعوة إلى مقاومته وإخراجه من العراق.
إعادة التأكيد على الأسس الأربعة التي خرج بها كل من مؤتمري المعارضة في لندن وصلاح الدين (شمال العراق)، والتي تدعو إلى:
إقامة حكومة ديمقراطية في العراق؛ احترام الدين الإسلامي وأحكامه الشرعية؛ احترام التعدد والتنوع العرقي والديني للشعب واحترام خصوصياته، من خلال الدعوة والقبول بإقامة نظام فيدرالي في العراق؛ والتأكيد على وحدة الأراضي العراقية أمام مخاطر مشروعات التقسيم والتفتيت.
ولعل الارباك الذي تعاني منه المعارضة الإسلامية، والذي وقف مانعا أمام امكان تحركها العملي على الأرض والاستفادة من أجواء الحرب بين الطرفين واستغلال الفرصة لفرض أمر واقع تريده، هو أولا التهديد الذي تلقته من القوات الأميركية بالتعرض للقتل إذا ما فكرت هذه القوات بالتحرك بشكل يؤثر على مجريات المخططات التي وضعتها، وثانيا أن يصب أي تحرك في خانة أحد طرفي القتال، إذ لا يمكن مقاتلة الداخل في ظل أوضاع تخدم سيطرة الخارج، ولا يمكن تناسي ما فعله الداخل وبالتالي الاندماج في مشروع الأجنبي.
وعليه فإن المبادرة، أو ما يمكن أن يطلق عليه اسم مشروع مبادرة، يأتي في إطار اتباع طريق وسط بين الطريقين، أو كما قيل «منزلة بين المنزلتين»، وإذا ما كان أصحاب هذه الدعوة قد خرجوا من أرض الرافدين وعاصمة الخلافة العباسية ولاقوا رفضا وظلما من السلطة والشعب على حد سواء، ثم عاد وانصفهم التاريخ على مضض عندما واجه الافراط والتفريط، فهل سيكون مستقبل مشروع هذه المبادرة المصير نفسه، خصوصا انها تحمل دعوة إلى القوات المسلحة العراقية بالتوبة والانضمام إلى صفوف الشعب للحفاظ على منجزاته والبنى التحتية للدولة وهو ما لا يمكن أن يسمح به أي من طرفي النزاع الحالي
العدد 202 - الأربعاء 26 مارس 2003م الموافق 22 محرم 1424هـ