التعبير الأخير الذي أطلقه عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بأنه صاحب “سيادة” وليس “تجارة”، حين طلب منه أهالي المرخ أرضا يملكها في قريتهم ووهبها لهم، وقوله “... تجارتي الرابحة هي أنتم ...”، كلها كلمات تستحق الكثير من الوقوف والإمعان وكثيرا من التقدير لهذا الموقف الحضاري غير المستغرب على جلالته.
من أعظم البلاء الذي يصيب الأمم أن تستخدم مقدرات شعب أو أمة في تجارة أفراد، وأن تصبح أموال الشعوب رؤوس أموال لشركات وثروة خاصة، لتكون أشبه ما تكون بالنظام الإقطاعي، فيما لا تنال هذه الأمم أي نصيب من خيرات بلادها، وهذا ربما ما نشهد صوره في البحرين، فمساحات شاسعة من الأراضي - ونتحدث عن نسب معتبرة من مساحة هذا الوطن - هي ملك خاص لبعض من هم يملكون السلطة أو جزءا من السلطة بصورة أو بأخرى.
ويكفي فقط أن تقوم بجولة بالسيارة لترى المساحات الشاسعة من الأراضي الفضاء في كل حد وصوب، وفي مناطق رئيسية بل وحيوية في البلاد، فيما تشكو الحكومة نفسها من عدم وجود أراض لكي تأوي المواطنين.
وحين يتحول المواطن إلى عامل كادح ليل نهار لكي يسدد قيمة أرض هي من حقه، حصل عليها غيره بأبخس الأثمان وربما من دون ثمن، ولكن هو يدفع الغالي والنفيس لكي يحصل عليها فيما هي تعتبر من حقوقه الأصيلة... هنا تكون المصيبة بل والطامة الكبرى.
وحين تتحول سواحل بلادنا الغالية إلى أملاك خاصة، فإن ذلك يعني أن الهواء قد يشترى، وسيأتي يوم ربما – لا سمح الله – نضطر فيه إلى شراء هذا الهواء الذي نجد فسحة هنا وهناك لكي نستنشقه على أطلال ما تبقى من سواحلنا وشواطئنا.
حديث جلالة الملك يجب أن يكون دعوة ويلقى آذانا صاغية من أصحاب النفوذ والسلطة في البلاد الذين اهتموا بالتجارة على حساب عيش المواطنين ولقمة عيشهم، وحديث جلالته المفعم بحس المسئولية وحس القائد يجب أن يترجم من الجهات التنفيذية في البلاد إلى قوانين وقرارات تترجم هذه الرؤية المستنيرة والحكيمة من قبل القيادة.
لماذا لا تتبنى الحكومة قانونا يمنع حيازة الأراضي للمضاربة، وخصوصا تلك المساحات الشاسعة، فكثير من القوانين في بعض البلدان المجاورة مثل عمان تفرض على المستثمر القيام ببناء أرضه وإيصال الكهرباء والماء لمدة خمس سنوات من تملكه الأرض وإلا سيتم سحبها منه مع الحصول على تعويض.
هناك الكثير من الأفكار والمقترحات لكي نترجم حديث جلالة الملك إلى واقعنا البحريني، ليشمل جميع المسئولين الذين من المفترض أن يكونوا على وعي بمسئولية المنصب الذي وضعوا فيه.
إقرأ أيضا لـ "علي الفردان"العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ