استطاعت مسابقة «شاعر الحسين» التي نظمتها الحسينية المهدية في البلاد القديم مساء أمس الأول (الجمعة)، أن تستقطب جمهورا غفيرا من المهتمين بالشعر والأدب، بل واستطاعت أن تأسر الجمهور حتى الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل!

منذ متى لم يطوق الجمهور كوكبة من المبدعين مثل أولئك الشعراء الذين نثروا جواهر الكلام لؤلؤا منظوما على جيد كل من شهد «عكاظ» البلاد القديم؟

ليس بالأمر السهل أن تستقطب مسابقة أدبية ثلاثة وستين شاعرا، وجمهورا بعدد من حضروا في مسابقة «شاعر الحسين» وخصوصا أن الجمهور هذه الأيام لا يأنس إلا بالسياسة! ولعل كثيرا منهم يعتبر أن غير السياسة نجاسة!

الجهل بالسياسة أمية في القرن الواحد والعشرين، ولكن أن تبتلع السياسة كل أنشطة المجتمع وفعالياته الثقافية والاجتماعية فتلك أمية أخرى لا تقل شأنا عن سابقتها.

منذ سنوات لم يتألق الأدب والشعر في محفل جماهيري كبير، ومنذ زمن ليس بالقريب لم يجتمع الناس على مائدة سوى السياسة، إلى أنْ جاءت الحسينية المهدية مساء الجمعة، وبرهنت أن السياسة شيء ولكنها ليست كل شيء، بل هناك أشياء أخرى تستحق الاهتمام.

هذا المشروع الذي قاد زمام فرسه الأستاذ غازي الحداد، لم يكن إلا بذرة صغيرة تستعد إلى أن تنبت شجرة مباركة في السنوات المقبلة، وكم نحن في حاجة ماسة إلى بذرات أخر، تنبت لنا أشجارا أخر.

محتاجون إلى تحريك عجلة النشاط الاجتماعي والثقافي، ومحتاجون إلى تحريك العربة بين مسارات عدة فمسار واحد لا يصل بك إلى ما تريد.

قبل أعوام كان قانون أمن الدولة لا يعرف أن يميز بين الأنشطة السياسية وغيرها فكانت عينه حولاء تنظر كل شيء سياسة، فالأدب والشعر سياسة، والمنتديات الاجتماعية والثقافية سياسة، وحتى مساعدة الفقراء والمعوزين سياسة، ومع كل ذلك كانت الحركة الثقافية والفعاليات الاجتماعية أكثر نشاطا من اليوم، وبعد أن قبر أمن الدولة قبرت معه تلك الأنشطة والفعاليات.

البحرينيون يتميزون بنشاط أكثر حيوية من أشقائهم في دول الخليج، كما أن البحرين سباقة في أكثر من مجال، والتراجع يجب أن يكون أمرا غير مسموح به، ويجب أن تتضافر الجهود في إعادة الحيوية التي عرف بها البحرينيون في مختلف شئونهم، وهو دور يجب ألا تتنصل منه المؤسسات الاجتماعية والقائمون عليها، فهم مطالبون بأن يجلسوا مع أنفسهم ليؤشروا على مواطن الخلل، وهم مطالبون باستقطاب الجمهور استقطابا لا يقل عن ما استقطبه مشروع «شاعر الحسين»!