لم تعق موجة الغبار التي ملأت أجواء البحرين الأنظار من أن توجه بشكل كامل تقريبا لما يحصل في السلطة التشريعية المحلية، وتطورات الأزمة التي لم تنته بعد، ولا يُعرف تماما متى ستنتهي وكيف؟
وعلى الرغم من صوت فيروز الملائكي الذي صدح في أجواء عراد ذات مساء، واللقاء الودي الذي جمع جلالة الملك مع أهالي قريتي المرخ والقلعة، نجحت أزمة البرلمان في أنْ تتخذ موقع الصدارة بامتياز ضمن أحداث الأسبوع الماضي، مثلما تصدرت أحداث الأسبوعين السابقين، وربما تستمر لأسبوع آخر أو أكثر.
التقت الوفاق سمو رئيس الوزراء، وتشاورتْ مع رئيس مجلس الشورى، وأخيرا أرسلت خطابا لجلالة الملك، كلها لكي تشرح موقفها، وتقول بكلّ بساطة أن ما تقوم به يأتي لصالح تفعيل الأدوات الرقابية للمجلس، ويأتي من أجل الدفاع عن حق السلطة التشريعية في طرح الاستجواب - أي استجواب- لأيّ وزير. باقي كتل المجلس، ورئيسها، وهي المعروفة بقربها من الجهاز الرسمي الحكومي، تصرّ على « شخصانية» استجواب الوفاق المطروح، وتصرّ على ضرورة عدم تمريره، اعتمادا على وجود « شبهة دستورية»، لم توضح حتى الآنَ مبرراتها فيها. وبين إصرار الوفاق، وإصرار الكتل والمجلس، توقفت السلطة التشريعية عن عقد جلساتها على مدى ثلاثة أسابيع.
من الواضح أنّ « استجواب الوزير عطية الله» أصبح فعليا وبكلّ ما تحمله الكلمة من معنى « الشوكة» التي تطعن جسد المجلس التشريعي برمته، بين فئة قررت أنْ تقاتل حتى النهاية من أجل أنْ يمر هذا الاستجواب ( الوفاق)، وفئة أخرى قررتْ أنْ تقاتل حتى النهاية من أجل أن لا يمر ( الكتل الأخرى ورئيس المجلس). بينما اختفى الوزير عطية الله تماما عن الساحة، وهو الذي اختلف في أمره المختلفون، ووصلوا إلى مفترق طريق حقيقي.
بغض النظر عن وجود « شخصانية» من قبل الوفاق في استجواب الوزير عطية الله من عدمها، وبغض النظر عن أهداف الوفاق الحقيقية من وراء الاستجواب، وبغض النظر عن الطريقة التي تصرّ بها الوفاق، وتصرّ بها الكتل الأخرى كل على موقفها، بغضّ النظر عن كل ذلك، لا يمكن تجاهل أنّ ذلك الخلاف « السياسي» يعطل بالفعل استخدام أداة برلمانية يفترض أنْ تكون طيّعة في ايدي النواب، وأنّ هذا الخلاف يقوم عمليا بتعطيل أحد أهم أدوار البرلمان « الرقابة». ولعل الوفاق بالذات لو بدأت بطرح استجواب وزير آخر لتثبت من خلاله «آلية طرح الاستجوابات» في المجلس أوّلا، لما دخل المجلس في هذه المتاهة- بعيدا عن طرح استجواب بن رجب من قبل الكتل الأخرى-.
اشتكى نواب الوفاق أكثر من مرة من تعطيل دورهم الرقابي وصلاحياتهم في المجلس، وهم العارفون بمحدودية تلك الصلاحيات منذ بدئهم تجربة المشاركة. وكأنما لم يتصوّروا أن تصل القيود إلى هذا المستوى من الحدة. وكأنّ لسان حالهم اليوم يقول « كيف تتوقعون منّا أنْ نعوم وقد تم إلقاؤنا في بحر متلاطم وأيادينا مقيّدة؟». وعلى هذا الأساس لن نستغرب في العام 2010 لو هرب الهاربون من الترشح للمجلس القادم، وعزف الناخبون عن صناديق الاقتراع، لإيمانهم جميعا بأنّ الدخول من عدمه واحد، وأنّ «كله محصّل بعضه» كما يقول إخواننا المصريون.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 2017 - الجمعة 14 مارس 2008م الموافق 06 ربيع الاول 1429هـ