استكمالا للمقال السابق، تشير الدراسات الصادرة عن الدول العربية إلى محدودية مشاركة المرأة في الحياة السياسية عموما واستعرضنا بعض الأمثلة في المقال السابق وكانت تجربة إيران تمثّل واقعا سياسيّا متقدما للمرأة سياسيّا، ومحدودية مشاركة المرأة السياسية تمتد لتشمل أيضا الدول الخليجية، وفي المقال الحالي استعرض واقع المرأة سياسيّا في الخليج العربي:
البحرين، نجد فيه أن مشاركة المرأة لم تتجاوز الأطر التقليدية فهي دائما تحت سلطة منحها الدستور حق المشاركة السياسية في الانتخاب والترشح، وقد شكلت ما نسبته 10 في المئة من أعضاء مجلس الشورى في العام 2001، إذ عين ملك البحرين ستّ نساء في مجلس الشورى، ثم ارتفعت النسبة إلى 15 في المئة العام 2002، وارتفعت النسبة أكثر في العام 2006 فقد عيّنت 10 نساء في مجلس الشورى تعويضا من الجانب الرسمي لتحسين أوضاع مشاركة المرأة سياسيّا بعد ما مُني النساء بالفشل في الوصول إلى قبة البرلمان من خلال الانتخاب، وشكّلت مشاركتها في الانتخابات البلدية في العام 2002 نسبة 15 في المئة مقابل 49 في المئة للرجل وقد رشحت 31 امرأة نفسها مقابل 275 رجلا، أما بالنسبة إلى الانتخابات البلدية التي جرت في 2002 فقد وصلت نسبة مشاركة المرأة فيها إلى 7.47 إذ الفرق في النسبة بسبب مقاطعة الانتخابات، وقد ترشحت ثماني سيدات مقابل 183 رجلا، وساهمت الجهات الرسمية بتسريع مشاركة المرأة سياسيّا إذ عينت ندى حفاظ وزيرة لوزارة الصحة وأعقبتها فاطمة البلوشي وزيرة أخرى للتنمية الاجتماعية، وفي الدورة النيابية الثانية 2006 ترشّحت للانتخابات النيابية 18 امرأة مقابل 203 رجال بنسبة 8 في المئة من كتلة المترشحين إذ تضاعف أعداد المترشحات عنه عن الدورة الأولى وهذا بطبيعة الحال يعكس نضج الوعي السياسي لدى المرأة، وفازت امرأة بحرينية في الدورة الثانية للمجلس النيابي بالتزكية في الدائرة السادسة بالمحافظة الجنوبية، لتكون أول نائبة برلمانية ليس فقط على مستوى البحرين بل الخليج العربي عموما، وبخصوص الانتخابات البلدية فقد ترشحن خمس مترشحات مقابل 166 مترشحا بنسبة 3 في المئة ولم تفزْ منهن واحدة.
كما تمّ تعيين ثلاث قضاة من النساء، في السلطة القضائية، ويعد ذلك حراكا متقدما للمرأة، ولكن لايزال الموقف الشعبي للمرأة يراوح مكانه، على رغم المبادرات الإيجابية التي تأتي من الجهات الرسمية، والأوضاع الشعبية لاتزال تحتاج إلى وقت أكبر.
من خلال الأرقام السابقة يتّضح أن هناك تحسنا واضحا في مشاركة المرأة سياسيّا، ولكن التقدم الحاصل لا يعني أنه زالت العوائق فالصعوبات مازالت قائمة، بل مازالت هناك المفاهيم التقليدية الراسخة، على رغم دستور مملكة البحرين الأول (1973) والثاني (2002) لم يفرّقا بين المرأة والرجل وأعطاها حقوقها كاملة في الانتخاب والترشح فقد ورد في الفقرة هـ من المادة الأولى ما يأتي: (للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق الانتخاب والترشيح)، والفقرة ب من المادة الخامسة تقول: «تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية من دون الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية».
الكويت، التي يتمتع مواطنوها من الرجال بممارسة حقوقهم السياسية والحراك السياسي لديهم يعد الأول خليجيّا، فلديهم تجربة رائدة في العمل السياسي، حصلت فيها الكويتية على حقها السياسي أخيرا وشاركت في العملية الانتخابية الأخيرة المرأة باعتبارها مترشحة، وناخبة ولكنها لم تفز أية امرأة منهن، واستدركت الحكومة الموقف وعمدت إلى تعيين معصومة المبارك وزيرة للتخطيط وتابعت الخطوة الإيجابية بخطوة أخرى عندما عينت نورية الصبيح وزيرة للتربية لاحقا، ولكن الوزيرة الكويتية الأولى تعرّضت لضغوط كثيرة مما اضطرها للاستقالة.
قطر، وضع المرأة القطرية لا يعد مختلفا كثيرا عن وضع المرأة الكويتية فقد أعطت المرأة الحق في المشاركة السياسية منذ فترة قريبة، فقد فتح الدستور الجديد المعدل مجالا واسعا أمام المرأة للوصول إلى مؤسسات الدولة المهمة، وقد أصدر أمير دولة قطر عبر الدستور الجديد مرسوما يقضي بتعيين أول سيدة في تاريخ قطر، بل والخليج في منصب وزير، كما أعطاها حقها بالترشح والانتخاب وحقها في إقامة حياة برلمانية عبر إنشاء مجلس شورى من 45 عضوا يُنتخب ثلثاه بالاقتراع المباشر، ففي الانتخابات البلدية الأولى لقطر شاركت المرأة باعتبارها مترشحة وناخبة ولكن لم تفز، وفي الانتخابات الثانية فازت إحداهن بالتزكية بعد أن خاضت معركة ضروسا طوال ثلاثة أسابيع متواصلة إلى أن انسحب أحد المترشحين القريبين من المترشحة تقديرا لدور المرأة.
عمان، الوضع السياسي للمرأة فيها يبدو مغايرا فقد أصدر سلطان عمان قابوس بن سعيد مرسوما يقضي بتعيين امرأة بدرجة وزير، للمرة الأولى في عمان ودول مجلس التعاون الخليجي، إذ عينت عائشة بنت خلفان بن جميل السيابي رئيسة للهيئة العامة للصناعات الحرفية بدرجة وزير، وتتمتع الهيئة، بالشخصية الاعتبارية.
من هنا يتضح أن أوضاع المرأة في الخليج لا يختلف كثيرا عن أوضاع النساء في بلاد العالم المختلفة، فقد دلت إحصاءات أعدتها الأمم المتحدة شملت 151 دولة على أن معدل نسبة النساء في البرلمان العام 2000 كانت 2.15 في بلدان أوروبا (بما فيه دول الشمال).
و4.13 في المئة في بلدان أوروبا من دون دول الشمال، وفي بلدان أميركا 14.2 في المئة وفي آسيا 2.14 في المئة وفي دول المحيط الهادي 5.13 في المئة وبلدان إفريقيا في جنوب الصحراء 7.11 في المئة.
ومن الاستعراض السابق يتضح أنه لايزال محور تمكين المرأة الخليجية سياسيّا يحتاج إلى الكثير من الجهود ولايزال بحاجة ماسة إلى تسريع من خلال التدابير المختلفة رسميّا وشعبيّا، دعونا من اليوم نعاهد أنفسنا بأن لا نحمل على عاتقنا مسئولية حمل شعارات لامعة ولكننا واقعا نشعر بالعجز اتجاه تحقيق أهدافها، فشعار الاستثمار بالمرأة والفتاة يحتاج منا إلى وقفات صادقة وإرادات يجب أن تأخذ طريقها إلى تحقيق إنجازات على الأرض وليس من المعقول أن يكون اهتمامنا بالمرأة فقط موسميّا وأعني بذلك الاهتمام بها وبقضاياها فقط في المناسبات المتعلقة بالقطاع وابان الانتخابات، ولكن يجب أن يكون النشاط مستمرّا وموجّها بصورة دقيقة، وهناك ما شاء من المؤسسات المهتمة بالمرأة وأهدافها تتجّهة إلى المرأة ولكن بوصلتها ضائعة وتحتاج إلى من يرشدها، كما تحتاج إلى جهود تنسيقية كبيرة، فاليد الواحدة لا تصفق والاستثمار في المرأة والفتاة يحتاج إلى حزمة من الخطط والبرامج وحزمة أخرى من الموارد المادية والبشرية.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2017 - الجمعة 14 مارس 2008م الموافق 06 ربيع الاول 1429هـ