العدد 2016 - الخميس 13 مارس 2008م الموافق 05 ربيع الاول 1429هـ

الربيع ونهاية موسم الأحزان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المتتبع للشأن الاجتماعي في البحرين قد يلاحظ ظاهرة ارتداء كثير من أهل البحرين الملابس السوداء في شهري محرم وصفر كل عام؛ تعبيرا عفويا عن المحبة العميقة والمشاعر الصادقة تجاه أسرة الرسول الأعظم (ص) التي نُكبت في منتصف القرن الهجري الأول.

هذه الظاهرة أكثر وضوحا لدى النساء. فبينما اعتاد الشباب ارتداء الملابس السوداء خلال العشرة الأولى من محرم، التزمت النساء بارتدائها شهرين، إذ تتوزع عدة مناسبات لوفاة عدد من أئمة أهل البيت النبوي، آخرها وفاة الرسول (ص) في الثامن والعشرين من صفر.

ليس هناك إحصاءات توضّح حدود الظاهرة، ولكن يمكن القول إن أكثرية الفتيات من الجيل الجديد يلتزمن السواد خلال العشرة الأولى من محرم فقط؛ بحكم العمل والدراسة وما جرى على المجتمع من تحوّلات ثقافية وفكرية ومزاجية شتى. وهناك أيضا من النساء من يلتزمن بالسواد حتى نهاية شهر صفر، ربما أكثريتهن من كبيرات السن وربات البيوت حتى المتعلمات ممن فاتهن قطار الوظيفة. وهناك فئةٌ قليلةٌ تستمر حتى التاسع من ربيع الأول، ذكرى وفاة الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر في سلسلة أئمة أهل البيت)، وبعدها يتم خلع الملابس السوداء إلى العام المقبل.

هذا ما يمكن للمتابع رصده عن هذه الظاهرة الاجتماعية اللافتة، التي تجد لها منطقا خاصا يحكمها. وبموازاة ذلك، يمكن أن ترصد أيضا ظواهر أخرى، من قبيل ما يجري من فعاليات وأنشطة فنية كثيرة، من بينها الأعلام السوداء واليافطات واللافتات القماشية. هذا النشاط الفني «العفوي» مثّل محطة أساسية مرّ بها الكثير من الموهوبين، وتخرّج منها الكثير من الفنانين والخطّاطين... فضلا عن المنشدين الدينيين (الرواديد) الذين يعتبرون امتدادا حيّا لفن الرثاء في ديوان الشعر العربي.

مع مطلع شهر ربيع يجري طيّ الملابس السوداء إيذانا بافتتاح موسم الأفراح والزواجات، وهو أمرٌ منطقي جدا... أما اللافتات والرايات فالبعض يبادر إلى طيّها وحفظها للعام المقبل، بينما يُترك بعضها لتمزقه الرياح، وتعبث به الأتربة و الغبار والأمطار.

هذه اللافتات بعضها يحمل آيات قرآنية، وبعضها يحمل كلمات للأئمة وشهداء الإسلام الأبرار، ومن المنطقي ألاّ تُترك بعد انقضاء الموسم نهبا للأتربة والرياح. والأليق بمن علّقها أن يبادر إلى نزعها بعد انقضاء موسم الأحزان، وإن كان الحزن على السبط الشهيد (ع) ليس له انقضاءٌ.

هناك أيضا ظاهرة المجسّمات الفنية، التي حاول البعض أن يصوّر من خلالها أرض معركة كربلاء، أو مناظر الفجيعة، ولكن المؤكّد أنها خرجت عن هذا الإطار، فأصبحت تشوّه جلال المناسبة التاريخية، وخصوصا عندما يتم تجسيم شخصيات البيت النبوي، بما يشبه التماثيل التي تسئ إلى تلك الشخصيات الشريفة. وربما يعود تفاقم الظاهرة إلى سكوت رجال الدين عمّا يجري، على حين لا تُسمع كلمة الصحافيين أو المثقفين أو أصحاب الرأي في هذا المجال.

عندما يبدأ محرم يدب الحماس في أوصال الشباب لتعليق السواد واللافتات المعبّرة عن المناسبة، ويجدر بهم ألا يتركوا تلك اللافتات والرايات لتمزّقها الرياح؛ احتراما للشهداء؛ وتقديرا للمناسبة التاريخية؛ واختتاما لموسم الأحزان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2016 - الخميس 13 مارس 2008م الموافق 05 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً