في فبراير / شباط العام 2003، وبينما كانت الإدارة الأميركية، أو بالأحرى وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» تحاول وضع تصوراتها الأولية لتقييم كلفة حرب «سريعة وعنيفة» للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، لتقديمها إلى الرئيس الأميركي جورج بوش كانت التقديرات حينها تتراوح بين 60 و 95 مليار دولار.
حينها، أيضا، حذر المتحدث باسم البيت الأبيض آري فلايشر من «أن حجم الأموال المرصودة لحرب العراق ستتفاوت استنادا إلى عدة عوامل».
قبل ذلك، وفي يناير/ كانون الثاني من العام ذاته، وبينما كان المسئولون في واشنطن يدرسون كلفة الحرب المحتملة مع العراق، قال الرئيس بوش: «إن الاقتصاد الأميركي لا يستطيع أن «يتحمّل هجوما من الرئيس العراقي صدام حسين»، مضيفا أن « الاقتصاد الأميركي قوي ومرن».
وكان مدير مكتب البيت الأبيض للإدارة والموازنة ميتش دانيلز قال لصحيفة «نيويورك تايمز» إن كلفة مثل هذا النزاع تتراوح بين 50 مليارا و 60 مليار دولار، وهي الكلفة ذاتها لحرب الخليج الثانية العام 1991. لكن المتحدث باسم مكتب الإدارة والموازنة ترينت دوفي، حينها، حذر من أن دانيلز لم يشر في المقابلة الصحافية إلى أن 50 مليارا إلى 60 مليار دولار هي توقعات البيت الأبيض.
بعد مرور سنتين على حرب العراق، وتحديدا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 حذر تقرير نشره نواب ديمقراطيون بمجلس الشيوخ الأميركي (الكونغرس) من أن الكلفة الفعلية للعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان قد تصل إلى 3500 مليار دولار بحلول العام 2017. فاق ذلك الرقم الذي تحدث عنه التقرير بـ 1100 مليار تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس. وأكد التقرير- الذي وضعه الأعضاء الديمقراطيون باللجنة الاقتصادية المشتركة بالكونغرس - أن كلفة الحرب في العراق وأفغانستان للعام 2008 ستبلغ 1600 مليار دولار بالمقارنة مع 804 مليارات كانت الحكومة أعلنتها. واستند التقرير في تقديراته إلى ما سماه «النفقات الخفية» على كلفة معالجة الجنود الجرحى، وتأثير الحرب في العراق على أسعار النفط وعوامل اقتصادية أخرى. وأدرج معدو التقرير بحساباتهم فوائد قروض أخذت من الخارج لتمويل الحرب وتراجع إنتاج النفط بالعراق ما يؤدي إلى ارتفاع أسعاره، كما أنهم أخذوا في الاعتبار كلفة صيانة وتجديد العتاد والتجهيزات العسكرية وزيادة عديد العسكريين وانعكاسات تجنيد الاحتياط على الاقتصاد.
وفي أكتوبر/ نشرين الأول 2007، افاد تقرير رسمي آخر صادر عن الكونغرس، أن الكلفة الاجمالية لحرب العراق وافغانستان قد تصل الى 2400 مليار دولار بحلول العام 2017. والتقرير، الذي أصدره مكتب الموازنة في الكونغرس، الهيئة التي تقدم تحاليل تتعلق بالموازنة، أشار الى أن إجمالي النفقات قد يصل الى 1700 مليار دولار، تضاف اليها 705 مليارات دولار لدفع نفقات قروض الحكومة الأميركية بحلول العام 2017.
والكل يعرف أن البيت الابيض، طلب في السنة المالية 2008 ما قيمته 200 مليار دولار إضافية لتمويل حربيه في العراق وأفغانستان. وإذا وافق الكونغرس على الطلب، فإن القيمة الاجمالية لمخصصات العمليات المباشرة في هذين البلدين، منذ بدء الحرب فيهما، ستبلغ 800 مليار دولار، بينها 600 مليار دولار للعراق وحده.
لكن حتى الـ 600 مليار دولار هي مبلغ خاطئ. فالكلفة الحقيقية لحرب العراق، ستبلغ، إلى أن تحرر الولايات المتحدة نفسها منها، ما يعادل 3 تريليونات دولار. وهو مبلغ منصف تم التوصل إليه بعد حسابات ملية ومفصّلة أجرتها مجلة «فانيتي فاير» الأميركية «Vanity Fair» ، التي أكدت أن «الكلفة النهائية قد تكون أكبر بكثير».
وشرحت المجلة العمليات التي اعتمدتها للتوصل إلى هذا الرقم الهائل، مؤكدة أن الادارة استخدمت صيغا «مضلّلة» في حساباتها، أسوأ ما فيها أنها أغفلت «التراكم» في الكلفة والموجبات المالية المستقبلية الضخمة للغاية في حالة العراق، وخصوصا تراكم الكلفة الطبية لمئات الآلاف من المحاربين القدامى. أضف إلى ذلك أن الكثير من كلفة الحرب يتم ضمها إلى وزارات أخرى غير الدفاع، فلا تظهر في مخصصات موازنة الحرب. كما أن الكثير من كلفة الحرب يتم تمويلها من أطراف ثالثة، ما يسمح للادارة بإخفائها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2015 - الأربعاء 12 مارس 2008م الموافق 04 ربيع الاول 1429هـ