يحتفل العالم هذه الأيام بذكرى اليوم العالمي للمرأة، حاملينَ معهم شعار الاستثمار بالمرأة والفتاة، ومن الممكن تحقيق أهداف الشعار من خلال جملة من التدابير التي تساهم في تحقيق الاستثمار الأمثل للمرأة والفتاة على المجالات كافة والأصعدة، وأعتقد أنّ الجانب السياسي قادرٌ على اختزال وحرق كلّ المراحل الأخرى؛ لتحقيق الأهداف الكبرى، وفي المقال الحالي سأستعرض معكم واقع المرأة في الدول الإسلامية وعملها السياسي، فمن دون معرفة الواقع الحالي لن نستطيع التخطيط للمستقبل بشكل جيّد.
حال المرأة العربية في الدول الإسلامية حاليا والتي يُشار إليه بأصبع البنان دائما من قبل الواهمين بأنه وضع سيئ وصعب، ويحمّلون الإسلام أكثر مما يحتمل من تحاملات، لهؤلاء نوضح بعض الحقائق والتي تؤكّد بأنّ حال المرأة في المجتمعات الغربية ليس أحسن حالا من المرأة المسلمة كما يظنون، ولاسيما في ممارسة الحقوق السياسية، فهم على رغم إدعاءاتهم المستمرة بالمساواة بين المرأة والرجل نجد أنّ أعلى تمثيل للمرأة في ممارسة حقها السياسي في أوربا الشمالية لا يتجاوز 38 في المئة، بينما أميركا مصدرة الحريات والنموذج الغربي للديمقراطية لم يتجاوز تمثيل المرأة في الحياة السياسية سوى 15 في المئة، وبقية النسب تترواح ما بين 11 - 13 في المئة، والمنطقة العربية تصل إلى 3 في المئة، ليس لكونها مجتمعات عربية أو إسلامية، بل لكونها بحسب نظريات بعضها لا تؤمن بمشاركة المرأة السياسية ولقناعتهم الخاصة بأهمية تفرغ المرأة لشئون المنزل وتربية الأولاد وتفرغ الرجل لممارسة العمل السياسي وغيرها من أدوار تمس الحياة العامّة.
عموما لاتزال مشاركة المرأة السياسية ضعيفة, كما أنه لا تسير وفق خط متصاعد، على رغم كلّ المكتسبات التي حصلتْ عليها، فإنها لم تحصل على المساواة المطلقة بين المرأة والرجل في المكانة السياسية في معظم دول العالم، ففي المجالس البرلمانية مثلا أفاد تقرير التنمية البشرية لعام 1998 إلى ارتفاع نسبة وجود المرأة في مجالس النواب إلى حد وصلت معه نسبة وجودها إلى 6,33 في المئة بالدنمارك، 28,4 في المئة في هولندا، 25,50 في المئة في ألمانيا، 13,30 في المئة في الولايات المتحدة الأميركية 40,60 في المئة في اليابان.
والملاحظ في موضوع مشاركة المرأة في الحياة السياسية بأنها لا ترتبط بمستوى تنمية البلدان أو بمدى كونها مجتمعات مسلمة من عدمه، إذ أن بعض البلدان النامية تتمتع بمعدل مشاركة أعلى من معدل بعض الدول الصناعية، فالمرأة على سبيل المثال وصلت إلى رئاسة الدولة في كل من باكستان والهند وإندونيسيا على رغم كونها دولا فقيرة ومجتمعات مسلمة، ولم تصل إلى هذا المنصب في الولايات المتحدة الأميركية الدولة المتقدّمة صناعيا وغيرها من مجالات التقدّم، إذ تشير الإحصاءات والدراسات بأنّ المرأة تحتل 5 - 10 في المئة من مواقع القيادة الرسمية السياسية، و12 في المئة من المقاعد البرلمانية في العالم في العام 1997، بينما لم تتجاوز النسبة في الدول العربية 6,3 في المئة.
وتحتل المرأة أقل من 20 في المئة من المقاعد في 154 من بين 162 برلمانا وطنيا قائما لغاية 1997، وأقل من 4 في المئة من المقاعد في 38 دولة، وعلى صعيد المناصب الوزارية، احتلت المرأة 6 في المئة من المناصب فقط في كلّ أنحاء العالم حتى 1994، في 52 دولة ولم تحتل أية امرأة منصبا وزاريا على الإطلاق، واقتصرت معظم الوزارات التي ترأستها امرأة على تلك التي يعتبر نطاق عملها تقليديا ذا علاقة بقضايا المرأة، كالصحة والرعاية الاجتماعية والثقافة والتعليم وشئون المرأة.
وفيما يلي استعراض لأهم الدول الإسلامية التي اهمتمت بتمكين المرأة سياسيا: مصر، انتخبت سيدتان لعضوية مجلس الأمّة لأوّل مرة في العام 1957، وتولت أوّل سيدة منصب وزير للشئون الاجتماعية في العام 1962، وفي العام 1971 دخلت تسع سيدات مجلس الشعب، كما تم تعيين فايزة أبوالنجا بمنصب وزيرة الدولة للشئون الخارجية وهو منصب وزاري مستحدث.
الأردن، تبوأت المرأة الأردنية مناصب وزارية ومواقع مهمّة في مؤسسات الدولة الرسمية، ولكنها فشلت في الوصول إلى البرلمان بإستثناء النائبة توجان الفيصل، التي نجحت في كسر احتكار الرجل لقبة البرلمان في انتخابات 1993 قبل أن تفشل في الانتخابات التي تلتها 1997، إذ برزت حاجة لتشريع نظام الكوتا، وبذلك مكّن القانون من وصول ست نساء من الوصول إلى مقاعد البرلمان الأردني.
لبنان، أقر لبنان الحقوق السياسية للمرأة منذ 1952، ووقع على اتفاق الحقوق السياسية للمرأة 1952 واتفاق «القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة « العام 1996. على رغم ذلك لم تصل المرأة اللبنانية إلى منصب رئيس دولة ولا حتى وزير إلاّ في الحكومة التي تشكلت في نهاية العام 2004 إذ عينت وزيرتان فيها، في حين نجحت على أساس نظام الإرث في الدخول بنسبة ضئيلة إلى المجلس النيابي العام 1963 ثم خلال الانتخابات اللبنانية لأعوام 1992، و1996 و2000 نجحت ثلاث سيدات في الدخول إلى المجلس النيابي المؤلف من 128 نائبا.
إيران، الوضع فيها يبدو أكثر بياضا لصالح المرأة، ودليل صارخ ودامغ للواهمينَ بأنّ الإسلام السبب الرئيسي وراء تراجع حركة المرأة؛ لأنّ إيران دولة نظامها إسلامي حاكم ولو كان الإسلام السبب؛ لكانت من أكثر الدول تضررا لا نفعا، فالتجربة الإيرانية كما هو معروف أكثر وأوسع حرية للمرأة في إيلاء قضاياها من خلال معالجة جديدة لجهة الخروج من الفهم التراثي الذكوري للتعاليم الإسلامية، وتفسيرها بهذا الاتجاه.
فقد دلت الإحصاءات عن نشاطات المرأة في أصعدة مختلفة: سياسية، ورياضية، وثقافية، واقتصادية، فهناك (2) في التشكيل الوزاري، (14) في البرلمان، كذلك (200) في انتخابات المجالس البلدية.
فالحكومة الإيرانية ملزمة بحسب الدستور الإيراني بتأمين حقوق المرأة في جميع المجالات وفي إطار الضوابط الإسلامية، ومن أجل تفعيل المسئوليات المنوطة بالحكومة في هذا الاتجاه، فقد قام مجلس الشورى الإسلامي أثناء دوراته الست بعد قيام النظام الإسلامي في إيران بالمصادقة على 150 مشروع قانون ولائحة جميعها تعنى بقضايا المرأة، وحصلت معظمها على موافقة مجلس صيانة الدستور.
فالعمل السياسي في الرؤية الإسلامية لا يرتبط بالقانون بل بالشريعة، وهو ما يُضفي على مفهوم «العمل السياسي « أبعادا تختلف عن مفهوم المشاركة السياسية، بالإضافة إلى ذلك فالرؤية الإسلامية تربط «بين تولي الوظائف والكفاءة، فالكفء أحق بالمنصب أيا كان جنسه.
في حين أنّ الغرب يحمل شعارات براقة وإيجابية تجاه المرأة وحقوقها ولكنها جوفاء لا يطبق إلاّ الشيء البسيط منها، وتتهم المجتمعات العربية إتهامات بغير وجه حق والأرقام خيرُ دليل
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2015 - الأربعاء 12 مارس 2008م الموافق 04 ربيع الاول 1429هـ