بعد 20 عاما وأكثر قد ترغب في أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء وتسترجع شريط ذكريات الطفولة، لوقت كنت تجلس فيه بعد وجبة غداء عائلية حميمة أمام شاشة ذلك التلفزيون، وتحديدا عند الساعة الثالثة والنصف ظهرا لمدة نصف ساعة أو أقل قليلا، ولعل الخيارات أمامك كانت محدودة في زمن لم تكن فيه الفضائيات بصيتها الحالي، بيد أنك لن تعدم الوسيلة للاستمتاع بكل ما للكلمة من معنى في نصف الساعة تلك.
تبدأ تلك اللحظات بتمتمتك بأغنية مسلسلك الكارتوني المفضل «سنان»: «ما أحلى أن نعيش في خيرٍ وسلام، ما أحلى أن نكون في حبٍ ووئام، والدنيا تبقى تبقى أمانا للجميع»... ينتقل خيالك بعد ذلك إلى الحياة في غابة الصنوبر، تلك التي تتنوع الشخوص فيها بين الشر والخير، الطيبة والسذاجة، وتنتهي في كل حلقة بانتصار الخير الذي يجسده سنان ووالده رحمون، في حين يجسد زعبور وشرشور الشر.
اليوم تغير كل ذلك، لن تجد تلك المساحة المخصصة للطفل بعناية التي تستغل فترة عودته من المدرسة وأخذه قسطا من الراحة قبل استئنافه لأداء واجباته المدرسية... ستجدها محشوة بكم من الإعلانات والبرامج الخفيفة الخالية من المضمون والهدف، كما ولن تصل إلى مسامعك أغنية مقاربة لتلك الأغاني الكارتونية التي ألفتها وتربيت عليها وأرسلت إليك رسالة هادفة في كل مقطع منها.
والملفت أنه لم يعد لتلك المسلسلات الكارتونية زمانها ومكانها الذي يتواءم مع طبيعة الطفل، وما زاد الطين بله أنك لن تجد سوى مشاهد عنف مميت في المسلسل الكارتوني «دراغون بول»، وحركات خيالية ومطارق وسكاكين وبنادق في المسلسل الكارتوني |»سلاحف النينجا» على سبيل المثال لا الحصر، وقلما تجد مسلسلا (حاليا) يهدف إلى السلام كما كان مع «سنان»، أو يعرفك بجغرافيتك كما كان مع «علاء الدين»، أو يجسد الصداقة بكل معانيها كما كان مع «عدنان ولينا»، أو يعلمك التسامح والعفو عند المقدرة كما كان مع «سالي».
لن يكون أمامك سوى البكاء على أطلال الماضي وغلق ذلك التلفزيون واسترجاع الأيام الجميلة وشريط ذكريات الطفولة.
أريج عبدالله
العدد 2015 - الأربعاء 12 مارس 2008م الموافق 04 ربيع الاول 1429هـ