العدد 2014 - الثلثاء 11 مارس 2008م الموافق 03 ربيع الاول 1429هـ

التمييز وتغطية قرص الشمس بغربال

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

الدعاوى الفجّة التي ترجع سبب ممارسة التمييز ضد فئة أو طائفة معينة هو ضعف الولاء دعاوى واهية؛ أوهى من بيت العنكبوت.

أما السبب الحقيقي من وراء التمييز فيكمن في الرغبة في الاستبداد بالحكم والثروة، وهذا الرأي يدعمه القرآن الكريم في بعض آياته.

والاستبداد بالحكم والثروة، يعني حرمان الشعب من حقه، مما قد يدفعه للثورة، ولهذا تلجأ السلطة التي ترغب في الإستبداد لسياسة التمييز، لأن تعميم حالة الظلم على الشعب سيوّحد الصف ضدها، ولكن التمييز في المعاملة يحول دون هذه الوحدة، إذ تنتعش بسبب التمييز التناقضات بين طبقات المجتمع على مختلف المستويات، الدينية والمذهبية، والقبلية.

والنتيجة، أن الفئات المستفيدة، تدعم السلطة وتدافع عنها، ويكون الدفاع بقدر الاستفادة، أما الفئات المتضررة من سياستها، تعارضها وتناهضها، وتكون خصومتها للسلطة بقدر الضرر الواقع عليها.وسياسة التمييز لهذه الغاية، ليست جديدة في تاريخ البشرية، فيذكر القرآن الكريم ان بعض الحكّام قد مارسوها فجعلوا أهل البلاد شيعا، يستضعفون طائفة دون أخرى، والهدف هو: إلقاء الاختلاف بين الناس لئلا تتفق كلمتهم فيثوروا ويقلبوا الأمور، كما يقول المفسر الطباطبائي. فسياسة التمييز تجعل فئات من الشعب فرقا مختلفة، لا تجتمع كلمتهم، وبذلك تضعف قوتهم على مقاومة الظلم.

وإذا كان التمييز من أجل الاستبداد بالحكم والثروة، فمن الطبيعي أن تعمد مثل هذه السلطة إلى تشجيع كل أسباب الخلاف كاحتضان الأقلام الطائفية ومثيري النزاع، وتشجيع كل ما من شأنه تشتيت الانتباه عن المطالب الشعبية بالمشاركة العادلة في الثروة والحكم.

ودور سياسة التمييز في هذا النطاق غير جديد، فعندما تسلم الإمام علي (ع) الخلافة، عارضه بعض كبراء القوم. فكان الحل جاهزا لدى بعض المقربين والمحبين، وهو أن تجعلهم يتفرقون ولا تتوحد كلمتهم، عن طريق التمييز في العطاء، وإقرار بعضهم بما في أيديهم من أملاك ومناصب حازوها سابقا، ورفض الإمام هذه الفكرة بقوله: «اتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟».

وقد نجد المواقف المعيبة لبعض الكتل النيابية من مسألة التحقيق في التمييز والاستجواب في مجلس النواب نموذجا حيّا لآثار سياسة التمييز التي تجعل أولئك الذين يرفعون شعار الإسلام، يضربون عرض الحائط أهم مبدأ إنساني تشدّد الإسلام في التأكيد عليه، ألا وهو العدالة، فهل يمكن لأولئك النواب الإدعاء بأن مواقفهم هذه تمثل عدالة الإسلام؟

وكما أن عامل التمييز سابقا في فرض الضرائب على فئة دون أخرى قبل اعتماد الدولة على النفط قد أتى بثماره، ومنع فئة من الشعب من حقوقها، وعطّل كل تحركات الإصلاح، نفس العامل يؤتي أكله حاليا في ظل ثروة النفط من خلال التمييز في المناصب والوظائف، فنجحت سياسة التمييز في إضعاف الوحدة الوطنية، وفرّقت الكلمة حيال سياسة الدولة.

غير أنه من المهم جدا الإلتفات للنقطة الآتية، وهي أن سياسة التمييز وتوابعها من التهميش والإقصاء والحرمان، ليست سوى محاولة يائسة من البعض لتغطية خطأ فادح، كمن يحاول تغطية قرص الشمس في رابعة النهار بغربال؛ فمهما كان حجم الفئة المستهدفة، وحتى لو تم تقليصها إلى 30 في المئة من السكان، فستبقى سياسة التمييز والتهميش ضدها، جرح غائر في خاصرة الوطن، يسهد له جسده، وتسهر لآلامه عينه، ويضج له كيانه كضجيج ذي دنف (الدنف: المرض).

فكل فئة من الوطن مهما صغر حجمها أو حاول البعض تحجيمها، وأي مصاب يصيبها، لا تختلف نتائج وآثار ذلك عن إصابة أصغر أصبع في جسد الإنسان، إذ يعمّه النكد والألم، ويعجز عن القيام بوظائفه... وهكذا الوطن وفئاته وطوائفه

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 2014 - الثلثاء 11 مارس 2008م الموافق 03 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً