العدد 2013 - الإثنين 10 مارس 2008م الموافق 02 ربيع الاول 1429هـ

الجنادرية ومعرض الكتاب

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تعيش الرياض منذ أسبوع مناسبتين مهمتين لهما مدلولهما الثقافي الكبير الذي تحظى به المملكة العربية السعودية على المستوى العربي، المناسبة الأولى «مهرجان الجنادرية» الذي دخل عامه الثالث والعشرين، ومعرض الكتاب الدولي الذي تشرف عليه وزارة الثقافة والإعلام والذي دخل عامه الثالث.

لست أدري أكانت مصادفة أن تزامنت المناسبتان معا أم أن هناك تخطيطا مسبقا للجمع بينهما في وقت واحد.

على أية حال وجودهما في وقت واحد كان مهما لكل من حضر خصوصا من داخل المملكة لأنه أتاح لهم حضور معظم فعاليات المهرجانيين في سفرة واحدة، كما أنه أعطى زخما للمناسبتين ولعل فكرة تزامنهما معا تستمر في السنوات المقبلة.

الواضح أن مهرجان الجنادرية سيحقق تقدما نوعيا - وإن كان بطيئا - فهذا المهرجان قام على فكرة إحياء التراث الشعبي، وهو في هذا المجال حقق تقدما كبيرا واستطاع أن يربط الناس بتراثهم وماضيهم سواء على المستوى العام أو المستوى الخاص، وأعتقد أن هذه العملية مفيدة جدا للشباب الذين نسوا - أو كادوا - هذا التراث العظيم، فإحياؤه فرصة عظيمة لهم ليتعرفوا عليه، وليعرفوا حجم المعاناة التي عاشها الآباء لعلهم يعملون بجد على الحفاظ على كل مكتسباتهم ويقومون - بكل قوة - على تطويرها لكي يوصلوا بلادهم إلى المستوى اللائق بها.

ولأن حضارتنا ليست محصورة في الدلة والقهوة والقصيدة الشعبية بل هي حضارة ممتدة في كل شيء، وأهمها الناحية الثقافية التي تشكل الركيزة الأولى في بناء المجتمعات، وتعطيها أهم مقومات الحياة، فقد رأينا أن القائمين على المهرجان اعتنوا بهذه الناحية وكان من نتائجها مناقشة موضوعات جوهرية تمس مصالح العرب والمسلمين جميعا، واستضافة متحدثين من كل أنحاء العالم ليناقشوا هذه الموضوعات وإثرائها بالدراسة والبحث والتحليل.

وفي هذا العام خطت «الجنادرية» خطوة جديدة إذ استضافت تركيا لتكون ضيفة المهرجان، وليتم الحديث عن العلاقات التركية العربية وأظن أن الحديث عن العلاقات السعودية التركية سيكون حاضرا في هذا المهرجان.

اختيار تركيا كان موفقا إلى حد كبير، فالمعروف أن العلاقات التركية العربية يزيد عمرها عن الستة قرون - هذا إبان الخلافة العثمانية - ولكن هذا العمر أطول بكثير إذ أنه بدأ مع بدايات ازدهار الحكم الأموي، ثم مع بداية الدولة العباسية.

وعلى أية حال تركيا - حاليا - دولة إسلامية، وتديرها حكومة مسلمة معتدلة ومن مصلحة العرب الاقتراب من هذه الحكومة والوقوف معها لعلها تزداد اقترابا منهم وتبتعد تدريجيا عن الضغط الصهيوني والأميركي، لأن تماسك العرب والمسلمين سيجعل قضاياهم المصيرية تأخذ بعدا إيجابيا لمصلحتهم. ومن هنا فإن هذه الخطوة جاءت في وقتها ولعلها تكون سمة في المستقبل لإستضافة دول أخرى نستفيد منها.

لكن الشيء الذي فات على منظمي الجنادرية هذا العام - وكل عام - عدم وضع برنامج يتعرف من خلاله السعوديون على ضيوفهم من خارج السعودية، لكي يستفيد كل طرف من الآخر، وياحبذا لو أنهم اختاروا أفضل المدعوين ونظموا لهم لقاءات علمية في الجامعات في كل أنحاء المملكة لتكون الاستفادة منهم أعم وأشمل.

الشيء الجيد - أيضا - توجيه دعوات لبعض الأشخاص الذين كنا نعتقد صعوبة استضافتهم في بلادنا، وشخصيا أعتقد أن هذا خطوة موفقة تحسب لأصحاب الفكرة، وشخصيا أعتقد أن إيجابياتها كثيرة.

أما وزارة الإعلام والثقافة فقد حققت نجاحا واضحا في معرضها هذا العام، ووجود بعض السلبيات في المعرض لا ينافي ولا يقلل من النجاحات التي حققها.

وابتداء فإني أحيي الزميلين عبد العزيز السيل وعبدالعزيز العقيل على جهودهما الواضحة في إنجاح المعرض - مع زملائهما جميعا - وكنت أراهما في حركة دائبة كلما زرت المعرض، كما أحيي الأخوة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أدائهم المتميز الهادئ الهادف أملا أن يستمر هذا العطاء في السنوات المقبلة.

معرض الكتاب يلاقي جدلا واسعا منذ سنته الأولى - ولا يزال - وموضوع الكتب «المحرمة والمباحة» يأتي على رأس هذا النوع من الجدل المتكرر.

وفي اعتقادي أن هذه المسألة لا بد أن تحل والإيقاف على ضوابط عامة تحدد نوعية الكتب «المباحة» والكتب «المحرمة».

أعرف الجدل الكبير بشأن هذه المسألة، وأعرف أن البعض يرى أن كل شيء ينبغي أن يكون حلالا بدعوى أن القنوات الفضائية والإنترنت لم تبق للحرمة موضعا، ويقولون أن ملاحقة الكتاب نوع من الوصاية الفكرية المرفوضة.

لكن التيار الآخر يرفض هذه المقولة بدعوى أننا بلد مسلم ونعيش تحت قانون الإسلام، كما أن قانون المطبوعات يجعل من الإسلام منهجا يسير عليه، ولهذا كما يقولون - لا مجال للكتب التي تسيئ لثوابت ديننا أو تتنافى مع قيمنا السليمة، ولأجل ذلك كان لا بد من وضع ضوابط يتفق عليها الطرفان، ويكون هذا الاتفاق قبل المعرض بوقت كافٍ لإبلاغ كل الدور المشتركة بضرورة التقيد بالضوابط المتفق عليها.

ليس من المقبول أن يكون في المعرض كتب تتعارض بوضوح مع دين الأمة، وليس من المعقول أن يكون في المعرض كتب جنسية فاضحة أو كتبا تشجع على الأخلاق الفاسدة بكل أنواع الفساد بحجة أن المعرض يسمح فيه ما لا يسمح في سواه لأن السياسة الإعلامية يجب أن تكون واضحة ومستمرة سواء أيام المعرض أو سواه.

أعرف أن التحكم في هذه المسألة في غاية الصعوبة نظرا لكثرة الكتب ونظرا لتحايل الناشرين ولهذا فإن على الاخوة بذل الجهد قدر الإمكان والتعاون معا في سبيل تحقيق الغاية التي يؤمنون بها جميعا.

بقيت مسألة تقسيم أيام المعرض بين النساء والرجال والعوائل وفي اعتقادي أن هذا التقسيم لا طائل من تحته فالمعرض سوق كغيره من الأسواق، صحيح أن بعض الممرات ضيقة ويحدث فيها زحام وهذه يمكن علاجها بتوسعة هذه الممرات قليلا، وما قلته عن توزيع الأيام بين العوائل والرجال والنساء ينطبق على «الجنادرية» ولكن بصورة أسوأ لأن موقع الجنادرية بعيد جدا ولا أتخيل أن رجلا سيوصل أسرته إلى «الجنادرية» ويبقى عدة ساعات في انتظارهم خارجها، وإذا كان معرض الكتاب يشكو من ضيق المساحة فمن أي شيء تشتكي «الجنادرية»؟

وأخيرا فإن استضافة اليابان كانت خطوة طيبة وأن كنت أتمنى لو أن الحديث عن اليابان أخذ منحى أكثر عمقا لكي يستفيد منه الذين يحضرون الندوات الثقافية المتعلقة باليابان وحضارتها وإنجازاتها العلمية، لكنها التجربة الأولى - ومن المؤكد أن التجارب المقبلة ستكون أفضل إن شاء الله

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2013 - الإثنين 10 مارس 2008م الموافق 02 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً