العدد 2012 - الأحد 09 مارس 2008م الموافق 01 ربيع الاول 1429هـ

قمّة دمشق... والخلافات العربيّة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في نهاية الشهر الجاري يرجّح أنْ ترتسم معالم النظام العربي الرسمي في إطار مغاير عن مساره العام. فالقمّة العربية التي ستعقد في دمشق ستكون محطة يتوقف عندها قطار الأنظمة قبل أنْ يُعاود نشاطه على السكة السورية لمدة عام. وقبل افتتاح قمّة دمشق بدأ الكلام يتكاثر عن الخلافات العربيّة واحتمال ظهور توجهات بالمقاطعة أو اختلافات على برنامج الأولويات. فهل هناك فعلا خلافات عربيّة على القضايا الجوهرية أو الخلافات مجرد تفصيلات لا ترتقي إلى مستوى متقدم يهدد النظام العربي بالانهيار ويبرر هيكلة علاقاته على أسس مضادة للمراحل السابقة؟

هناك مبالغة في تصوير الخلافات العربية خصوصا تلك المتصلة بالقضايا الجوهرية. وفي حال تمت مراجعة حسابية لكلّ النقاط الأساسية المطروحة ستظهر في الأفق السياسي تقاطعات وتوافقات لا تبرر الانقسامات والتجاذبات التي تتداولها الصحف ومحطات التلفزة. وما يُقال عن خلافات عميقة وجذرية تبدو مجرد بالونات حرارية لا يُمكن البناء عليها لتقديم صورة واضحة عن معالم النظام العربي الرسمي.

الدول العربية حتى الآنَ متفقة صوريا على إعطاء أولوية للجانب الفلسطيني، وهي عموما مجتمعة على التمسّك بمبادرة التسوية التي انطلقت في قمّة بيروت وأعيد التأكيد عليها في قمّة الرياض. الموضوع الفلسطيني لاخلاف عليه ولا توجد وجهة نظر ظاهرة تؤكّد على أن جدول الأولويات تغيّر في هذا الشأن. فالكل يُجمع على إعطاء القضية الفلسطينية بعدها المركزي في سلسلة الملفات. والتوافق العربي على التسوية جاء في حضور كلّ الدول العربية وإجماعها على أنّ فلسطين تشكل حجر الزاوية في سياسة جامعة الدول العربية. حتى حين حاولت الولايات المتحدة إثارة معارك جانبية وتخويف العواصم بوجود مخاطر جديدة لم تتجّه جامعة الدول نحو تغيير برنامج أولوياتها بل حافظت على مواقفها من دون تردد.

أولوية القضية الفلسطينية كانت ولاتزال تحتل المقام الأوّل على رأس مهمات الدول العربية. لذلك لا مجال للمزايدة بين دولة عربية وأخرى في هذا الجانب. حتى حين اندلع الخلاف بين «فتح» و«حماس» على السلطة الفلسطينية تحركت الدول العربية مجتمعة لمنع الانشقاق وبادرتْ إلى التوافق لترتيب تفاهم بين الفصيلين يضبط المشكلات تحت سقف وطني.

وفي الإطار المذكور لا مجال للمزايدة أيضا بين دولة عربية وأخرى في هذا الجانب وخصوصا أنّ تل أبيب أظهرت في تعاملها اليومي مع الشعب الفلسطيني عدم تمييزها بين أهل القطاع وأهل الضفة.

الموضوع الفلسطيني في وجوهه الثلاثة لا يشكّل نقطة اختلاف بين دول الجامعة العربية. فالخلاف غير ظاهر بين الدول على الصراع العربي - الإسرائيلي، كذلك الخلاف غير موجود على الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، كذلك الخلاف مرفوض على أساس الصراع الفلسطيني - الفلسطيني. فكل الدول العربية تجمع حتى الآنَ على التمسّك بالمبادرة ومشروع التسوية. وهي تتوافق على مسألة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعلى أساس القرارات الدولية. وهي أيضا تغلب موضوع السلام على موضوع التطبيع. وترى أنّ التفاوض لا يمكن أنْ يتم من جانب واحد ولا يمكن أنْ يستمر الجانب العربي في إعلان تمسكه بالمبادرة إلى ما لا نهاية زمنية. كذلك هناك شبه إجماع عربي على التحفظ على تلك الصراعات والخلافات الفلسطينية وتداعياتها السلبية على وحدة القضية وقدسيتها.

العراق ولبنان

عدم وجود خلافات عربية على الموضوع الفلسطيني لا يعنى أنّ الوحدة العربية قائمة وموجودة وتنتظر لحظة زمنية للإعلان عنها. فالخلافات العربية موجودة ولكنها ليست على القضية الفلسطينية وأولوية الموضوع الفلسطيني واحتلاله الموقع الرئيسي على جدول أعمال جامعة الدول.

الخلافات العربية التي تكاثر الكلام عنها بمناسبة الاستعداد لعقد القِمّة في دمشق يمكن البحث عنها في تفصيلات أخرى تتصل بملفات ساخنة قريبة أو بعيدة عن ساحة فلسطين. هناك خلافات على الملف العراقي وأساليب التعامل معه. وهناك خلافات على الملف اللبناني والتعارض العربي بشأن احتواء أوراقه. وهناك خلافات على طبيعة الأنظمة وصعوبات التوفيق بينها للمحافظة على الحد الأدنى للنظام العربي الرسمي المتمثل الآنَ في صيغة جامعة الدول العربية وما يصدر عنها من قرارات وبيانات.

الخلافات العربية من حيث ترتيب أولوياتها بعيدة عن القضية الفلسطينية وخصوصا أنّ الدول العربية متوافقة على الحد الأدنى المشترك للحل ولا توجد مؤشرات ميدانية تؤكّد على ظهور مبادرة تعاكس فعليا سقف الاجماع العربي. فالدول العربية مثلا تعتمد على تفاهمات هدنة سواء وقعت على اتفاقات سلام أو لم توقع. حتى حركة «حماس» في القطاع تتجّه الآنَ إلى توقيع تفاهم هدنة مع حكومة إيهود أولمرت يشبه تلك الاتفاقات المعمول بها في سيناء والأردن والجولان.

مسألة الخلافات إذا يمكن رصد تفصيلاتها في ملفات أخرى تبدأ بعدم وجود توافق عربي على طبيعة النظام الرسمي الذي تشكّل في أربعينات القرن الماضي تحت سقف جامعة الدول العربية. وعدم التجانس بين الدول العربية يعود إلى أسباب خاصة تتصل بأولوية كلّ نظام ورؤيته الكيانية لمسألة الأمن وامتداداته الإقليمية والجوارية. وهذا الاختلاف في خصوصية الأنظمة يولد دائما تعارضات منهجية في التعامل مع المخاطر الأمنية والتعارضات الدولية وتلك التجاذبات التي تحيط بالمنطقة العربية وما تنتجه من صراعات ودوائر نفوذ كما هو حال العراق أو وضع لبنان.

الملف العراقي مثلا يشكّل نقطة تجاذب تؤثر على وحدة النظام العربي الرسمي. وطبيعة الملف المعقدة طرحت مجموعة أوراق متعارضة في توجهاتها بسبب ذاك التداخل بين الاحتلال الأميركي وحكومة الاحتلال من جهة وبين الانقسام الأهلي (الطائفي والمذهبي والمناطقي والأقوامي) وما أنتجه من دوائر نفوذ إقليمية وجوارية عربية وغير عربية.

الملف اللبناني أيضا يشكّل نقطة تجاذب تؤثر على توازن النظام العربي الرسمي. وبسبب طبيعة الملف وتداخل أوراقه بين المخاطر الإسرائيلية والوجود الفلسطيني من جهة وبين الانقسام الأهلي (المناطقي والطائفي والمذهبي) وما يولّده من تشنجات ذات امتدادات إقليمية وجوارية... ظهرت تلك التعارضات العربية في التعامل مع موضوع الرئاسة وغيرها من نقاط حسّاسة.

قمّة دمشق لا تعاني من مشكلة فلسطينية باعتبار أنّ الدول العربية مجتمعة تعطيها الأولوية حتى لو اختلفت توجهات الأنظمة في قراءة التفصيلات وما تقتضيه السياسات الدولية من تعاملات مع ما يُطرح من برامج أو خرائط طرق. المشكلة في أمكنة أخرى وهي تتمظهر في نقطتين ساخنتين: بلاد الرافدين وبلاد الأرز.

العراق ولبنان يشكلان الآنَ تلك المفاصل التي بدأت تؤسس عربيا وجهات نظر غير متوافقة على أولويات الحل. وهذا الأمر إذا تطوّر سيترك تأثيراته السلبية على أسلوب التعامل مع الموضوع الفلسطيني وما يشكّله من أولوية عربية قد تدفع نحو تقاطعات دولية وإقليمية تهدد في الأمد البعيد وحدة النظام العربي الرسمي. وبسبب ضغط الحاجة لابدّ من اجتهاد عربي في هذا المجال انطلاقا من اعتماد ذاك الفصل المبدئي بين قضية ثابتة لا اختلاف عليها وبين ملفات طارئة ترفع من درجات التوتر والحساسية. وهذا الفصل إذا اعتمد يساعد جزئيا على منع المزايدات ويقطع الطريق على احتمال تداخل الملفات وتعديل أولوياتها.

حتى الآنَ تبدو الصورة غامضة ويرجّح أنْ تترك بصماتها السلبية على الحضور العربي أو مستوى التمثيل العربي في قمّة دمشق نظرا لوجود ذاك الاختلاط بين الثوابت والمتغيرات. وفي حال استمر هذا التداخل في الملفات يرجّح أن ترتسم معالم جديدة في النظام العربي قد تحرفه عن مساره العام وتعيد هيكلة أطره في سياق تتجاذبه مراكز قوى تقليدية أو طارئة على خط السكة العربية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2012 - الأحد 09 مارس 2008م الموافق 01 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً