العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ

عملية القدس... وخيارات حكومة أولمرت

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف ستتعامل حكومة إيهود أولمرت مع الهجوم المسلح على مدرسة دينية في القدس الغربية؟ التعامل يعطي فكرة سياسية عن تلك العقلية التي تتحكم بالقرارات والتوجهات العامة التي تعتمدها تل أبيب في التعاطي مع محيط قررت الانعزال عنه والاستقواء عليه.

هناك احتمالات كثيرة يمكن تصورها بناء على تاريخ «دولة» يرى قادتها أنها «مختارة» و«فوق البشر». فهل تستمر قيادة الدولة في التمسك بهذا المنهج العنصري الذي استنتجه القاضي فينوغراد في تقريره عن إخفاقات العدوان على لبنان أم تتوقف لحظة وتبدأ بإعادة النظر في فكرة لا مستقبل لها في منطقة «الشرق الأوسط»؟ الاحتمالات الكثيرة التي يمكن توقعها من خلال رصد ردود الفعل لا تستطيع في النهاية الخروج على السؤال والذهاب بعيدا في تأويلات غير واقعية. فالحكومة الإسرائيلية لا تملك خيارات غير عادية الا إذا قررت المغامرة العسكرية أو الانتحار الجماعي تحت وطأة الشعور بالعزلة الجغرافية والتاريخية وانغلاق آفاق التواصل مع المحيط.

الأجوبة إذا لا تحتمل قراءات خارج المألوف في اعتبار ان حكومة اولمرت محكومة إما بالذهاب نحو الرد لتأكيد عقدة التفوق أو بالتوقف برهة زمنية لإعادة التفكير بنهج بدأ يستنفد اغراضه ولم يعد يرهب أو يخيف كما كان حال «الدولة» حين تأسست قبل 60 سنة.

الشروحات العنصرية التفوقية التي استخلصها فينوغراد في تقريره ليست مجدية ولم تعد تتمتع بتلك الحصانة السياسية في اعتبار أن إمكانات تسويق تلك الاستنتاجات باتت تواجه الكساد العقلي وعدم القدرة على الإقناع. والدولة التي تأسست على الباطل تحتاج فعلا إلى برهة زمنية للتوقف وإعادة قراءة وظيفتها في محيط تعاملت معه باحتقار مستفيدة من ذاك الغطاء الدولي الذي شكل مظلة للحماية. الظروف تغيرت بعد 60 سنة وباتت «الدولة» تحتاج إلى إعادة تفكير تعيد النظر بالكثير من الثوابت والقناعات الايديولوجية. وهذا النوع من الرؤية يحتاج إلى قيادة جريئة تمتلك عقلية نقدية تسمح بإعادة النظر في المنهج السابق وابتكار آليات تتناسب مع تحولات تاريخية طرأت على المنطقة بعد سلسلة تجارب عنيفة مرت بها خلال العقود الماضية.

حكومة اولمرت التي تعيش حالات من التوتر والقلق تبدو الآن أمام خيارات كثيرة ولكنها في مجموعها العام تنقسم إلى سياقين. الأول الرد على عملية القدس وتكرار تجربة لم تعد تعطي تلك النتائج السياسية التي كانت تحصل عليها تل أبيب في المرات السابقة. الثاني السكوت والتوقف والبدء في التفكير انطلاقا من رؤية استراتيجية مضادة لتلك الثوابت الايديولوجية التي تأسست عليها الدولة.

حتى الآن تبدو حكومة اولمرت غير قادرة على التفكير بسياق خارج على المألوف. وهذا النوع من القصور العقلي (الاستراتيجي) يرجح احتمال أن تقوم تل أبيب باتباع ردود فعل بليدة تكرر سياسة مكروهة وفقدت وظيفتها سواء على مستوى التخويف أو على مستوى كسر شوكة القوى المضادة ومنعها من الرد على الرد.

حكومة اولمرت بليدة ذهنيا وتفتقد تلك الرؤية التي تسمح لها بالتقاط استعداد المنطقة إلى عقد تسوية تاريخية قاسية بادرت الدول العربية إلى اطلاقها في قمة بيروت ثم عادت وجددت مسعاها إلى السلم في قمة الرياض. فمثل هذه الفرصة لا يمكن لها أن تبقى إلى الأبد وبالتالي لا تستطيع تل أبيب التعامل معها باستهتار واستخفاف من دون أن تلقى ردة فعل مضادة من جانب الدول العربية. المنطقة العربية جاهزة الآن للتسوية وهي أكدت هذا الالتزام مرارا منذ حرب الخليج الثانية في تسعينات القرن الماضي حين أبدت الدول العربية استعدادها للتنازل والقبول بالجزء مقابل التعايش السلمي وإعطاء الحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني.

عقدة المخاوف

الكرة السياسية منذ أكثر من 15 سنة في الملعب الإسرائيلي ولاتزال تل أبيب مترددة في خياراتها فهي تناور دوليا وتتحايل على الواقع وتلجأ إلى اعتماد سياسة الأمر الواقع مستفيدة من الفضاءات الأميركية واتجاهات إدارة جمهورية قررت خوض معركة طويلة ضد العالمين العربي والإسلامي. ومنذ 15 سنة لجأت تل أبيب إلى كسر كل الاتفاقات وتجاوز كل التعهدات من مدريد إلى أوسلو إلى ذاك اليوم الذي صافح فيه ياسر عرفات إسحق رابين في حديقة البيت الأبيض بحضور آلاف الشهود.

هذا التحايل المدعوم أميركيا سينتهي في الشوط الأخير مفعوله الزمني وسينكشف أمام متغيرات لا يمكن أن تواصل تل أبيب تجاهلها والاستخفاف بها. فالعالم بدأ يتحول ولم يعد بإمكان حكومات تل أبيب الرهان عليه والاستمرار في اعتماد خرافات ايديولوجية لتسويق مشروعية دولية غير صالحة للاستخدام الطويل الأمد.

الخدعة تنجح مرة وعشر مرات ولكنها غير قادرة على الاستمرار إلى نهاية الزمن في وقت يشاهد العالم تلك الأكاذيب تتساقط على أرض الواقع. فالكلام عن تسوية يحتاج إلى تفكيك المستوطنات لا توسيعها. والقول إن تل أبيب مقتنعة بالتفاوض يتطلب البدء في إزالة جدار الفصل العنصري والتوجه نحو القبول بالتسوية والتعايش والتفاوض مع الدول العربية على أساس تلك المبادرة التي اعتمدت في منطلقاتها النظرية على قرارات دولية وافقت عليها الولايات المتحدة.

الفرصة لاتزال قائمة ولكن إذا استمرت حكومة تل أبيب في ترددها وخوفها من تقديم جواب تاريخي يتجاوز تلك العقلية البليدة التي فقدت وظيفتها فإنها لاشك ستواجه ردود فعل قد تعدل قواعد اللعبة. فحكومة اولمرت لم تعد تملك ذاك الزخم لتطويل الاحتيال على الحقوق والقوانين والاتفاقات والتعهدات بما فيها تلك الأخيرة التي أعطتها لفظيا في «مؤتمر أنابوليس».

احتمالات الرد الإسرائيلي على عملية القدس كثيرة (قطع طرقات، اعتقالات، تشديد الحصار، اغتيالات، غارات، اجتياح، إعادة احتلال) ولكنها في مجموعها السياسي محكومة بآفاق لا تتجاوز تلك العقلية المريضة التي تتعامل مع الآخر من موقع التشاوف والتفوق. الاحتمالات كثيرة ولكن الخيارات تعيد إنتاج ذاك السؤال: هل «إسرائيل» مستعدة للتسوية والتعايش مع المحيط أم إنها لاتزال ترى نفسها بأنها دولة «مختارة» و «فوق البشر»؟

حكومة اولمرت قاصرة ذهنيا ولا تمتلك تلك الرؤية الاستراتيجية التي تعطيها القدرة على التفكير الخلاق وابتكار آليات متقدمة للتعامل مع واقع متغير ولم يعد كما كان عليه الحال منذ 60 سنة. ولهذه الأسباب الموضعية يرجح أن تتعامل تل أبيب مع هجوم القدس وفق قوانين بليدة عقليا تتحكم في تسييرها انفعالات أمنية ومخاوف ترفع من منسوب العنف المعطوف على القلق من المحيط. وهذا النوع من التوتر لا قيمة له سوى زيادة الهستيريا وتعزيز مرض الكراهية والانعزال وربما الاندفاع نحو المغامرة... والانتحار

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً