في الذاكرة الشعبية البحرينية التراثية التاريخية، بضع مناسبات ارتبطت بحوادث شهدها المجتمع البحريني... من بينها حوادث كبيرة لكن تاريخ حدوثها غير محدد بالضبط... كأن يقال «سنة الطبعة»، فتختلف بشأنها التواريخ، ولا أستطيع شخصيا أن أدلي بدلوي في تحديد تاريخ لأنني ببساطة: لا أمتلك المعلومة.
دعونا من «سنة الطبعة»، لنستعرض بعض الحوادث «الميتافيزيقية» التي مرت بالبلد، ففي أواخر السبعينيات انتشرت قصة الفارس الملثم، وفي مطلع الثمانينيات، رحل الفارس الملثم لتنتشر في المجتمع البحريني قصة «أبو قرون»... ففي القصة الأولى، كان الفارس المجهول يثير الرعب في النفوس، وخصوصا بالنسبة إلى الصغار الذين ينتقل إليهم الخوف تلقائيا من «فزع» الكبار أنفسهم من ذلك الفارس الملثم الذي يظهر ليلا، وربما نهارا أيضا في مناطق مختلفة من البلاد ليثير الرعب... لكن أحدا لم يشاهد ذلك الفارس وجها لوجه، ومن ينبري ليعلن للناس أنه رآه وحدثت بينه وبين الفارس الملثم جولة من جولات البطولة، أو ملاحقة مغامراتية مبهرة، فإنه كاذب كاذب كاذب...
أما «أبو قرون» فهو الآخر كان يخيف الناس، بمجرد أن يقول قائل» «جاكم بو قرون! لن تجد في السكيك ولا طفطوف»! وتصبح طرقات الديرة خاوية على عروشها... وربما لن يشعر ذلك الشخص الذي جاء إلى الخباز ووجده بلا طابور طويل... فبدلا من أن يفرح ويشتري ما يريد من الخبز ويمضي... فإنه يهرب تسابق الريح قدماه لأنه يعلم أن المسألة فيها «أبو قرون» و «خل الخبز ينفعك»؟!
كلها خرافات في خرافات، لكن الناس كانت تعيش فصول القلق لحظة بلحظة...
في عقد التسعينيات، ولربما كان ذلك فيما بين العامين 1992 و1993 انتشرت قصة أخرى، وهي قصة «شحمة الخير»... هل تذكرونها؟! إذ كان الناس يتناقلون قصة قطعة غريبة من اللحم يتم الاحتفاظ بها في المنزل ورعايتها وإطعامها، وهي تجلب الخير... أعتقد أن الكثيرين يتذكرونها؟
دعونا من ذلك كله، فلدينا اليوم حال مشابهة... ينام الناس ويصحون وهم يتحدثون عنها... إنها قصة «الخمسين دينار بدل الغلاء»... ولا ندري هل سيكون في مقدور الناس أن يصلوا إلى لحظة تحقق الحلم الوردي بصرف بدل الغلاء المقدرة بخمسين دينارا لكل أسرة يقل مدخولها الشهري عن 1500 دينار... وعلى رغم عدم وضوح آلية الصرف وموعده الذي طالب مجلس الوزراء النواب بالإسراع في إقرار موازنته البالغة 40 مليون دينار ليتم صرفها قبل الخامس عشر من الشهر الجاري... أي في الأسبوع المقبل، فإن الآمال معلقة دائما على نواب الشعب في إزالة هذه الغمة عن هذه الأمة، وإشاعة حال من الفرح والسرور تدخل كل بيت وتنهي حال الترقب والقلق والمعاناة والخوف من أن تصبح تلك الأحجية واحدة من أشهر الأحجيات التي ترسخت أو ستترسخ في الذاكرة الشعبية البحرينية.
أينما تذهب ستسمع الناس تتحدث عن اليوم المنتظر لوصول الخمسين دينارا إلى جيوب المواطنين الذين طال انتظارهم، ولن تستغرب إذا سمعت بعضنا يوعد أطفاله بأنهم سيعيشون في القادم من الأيام، سنوات جميلة من الرفاهية ورغد العيش بمجرد تسلم معونة بدل الغلاء!
سنة «البونس» مضت إلى غير رجعة، وسنة الزيادات ستكون ربما متطابقة مع حسابات السنوات الكبيسة، لكن سنة «الخمسين دينارا»، 2008، محملة بالآمال الكبار في مواجهة غول الأسعار الذي لا يرحم... فقد أصبح الناس يتحدثون عن الخمسين دينارا وكأنها آخر العلاج (الكي) الذي سيحرق غول الغلاء حرقا يجعله يرمي نفسه في البحر! ويبدو لي، أن غول الأسعار، هو الرديف الشعبي لـ «أبي قرون» و «الفارس الملثم»... مع فارق بسيط... وهو أن غول الغلاء حقيقي حقيقي... فيما كان «أبو قرون» و «الفارس الملثم» مجرد قصتين خرافيتين عبيطتين.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ