بدأت أسعار النفط في التعاملات العالمية تميل إلى «الهدوء» نوعا مَّا في أعقاب ما يشبه العاصفة الهوجاء التي بدأت أسعار النفط خلالها تقفز فوق حاجز 104 دولارات للمرة الأولى في التاريخ، فقد أخذت الأسواق في التراجع قليلا، وإن كانت ظلت على مستويات قياسية عند حاجز 102 دولار.
ورأى خبراء أن ارتفاع الأسعار جاء بشكل رئيسي جراء التراجع الذي شهده الدولار الأميركي، الذي فقد المزيد من قيمته أمام سلة من العملات العالمية، متوقعين أن تشهد أسواق الطاقة تسجيل أسعار، إذا ما استمر تراجع العملة الأميركية، ليصل إلى 120 دولارا.
وكانت أسعار النفط بلغت في تعاملات بورصة نيويورك الإلكترونية للطاقة حاجز 103,76 دولارات للبرميل، متجاوزة أعلى سعر وصله برميل النفط في تاريخه، حتى بالمقارنة مع سعر 38 دولارا العام 1980، مع احتساب فارق التضخم.
ويشير مراقبون إلى أن تراجع الدولار يدفع المستثمرين العالميين إلى الفرار بأموالهم نحو النفط وسائر الخامات مثل الذهب والفضة وسواهما، وذلك باعتبار أن أسواقها أكثر ثباتا، كما أن أسعارها المتراجعة بالنسبة إلى العملات العالمية كونها مسعرة بالدولار تجعلها عند مستويات سعرية مغرية.
وعلى رغم التأرجح الظاهري الذي يبدو غير منطقي، ولا تحكمه أية ضوابط، يبقى النفط، شأنه شأن أية سلعة أخرى يخضع لمجموعة من القوانين، التي تحدد محصلة تفاعلها القيمة النهائية التي ترسو عندها أسعاره، خاما كان أم مواد مصنعة ولكي نتمكن من استقراء اتجاه حركة أسعار النفط ينبغي أن نتفهم العوامل الأساسية التي تحكمها، أو ما يطلق عليه آليات السوق، معبرا عنها بالعرض والطلب، والمخزون النفطي التجاري الذي تحتفظ به الشركات لمواجهة الطوارئ، وكذلك المخزون الاستراتيجي الذي قال عنه الرئيس الأميركي جورج بوش أخيرا انه قد يلجأ إلى إطلاق جانب منه لتعويض العجز الناتج عن إغلاق أكثر من مليون برميل يوميا من إنتاج خليج المكسيك بسبب إعصار كاترينا.
ويأتي بعد ذلك الكثير من العوامل القصيرة الأمد التي يزول أو يخف وقعها على الأسعار تبعا لحدة وطول بقائها. ومن أمثلة تلك العوامل الاضطرابات الجيوسياسية والأمنية التي تسود الشرق الأوسط وخصوصا منطقة الخليج العربي. ثم هناك أيضا المضاربات التي يتربح منها خبراء البورصات العالمية بأسلوب المراهنة على أسعار النفط، بيعا وشراء، فيما يعرف بالبراميل «الورقية» (Paper barrel) التي يزيد عدد صفقاتها على 5 أمثال صفقات التعامل في النفط الحقيقي (Net barrel). وكذلك يدخل في إطار العوامل الوقتية الإضرابات العمالية في الدول المنتجة للنفط والأعاصير والشائعات وما إلى ذلك. ويدخل في تلك العوامل أيضا عجز مصافي النفط، وخصوصا في الولايات المتحدة، وإن كان أثرها لا يصح أن ينعكس في أسعار النفط الخام متى توافر في أسواقه بالقدر الكافي، وإنما ينعكس في ارتفاع أسعار المنتجات المكررة التي لا توفرها المصافي بالقدر الذي يحتاج إليه المستهلك النهائي.
ولكن الطلب القوي من ناحية مع الزيادة المحدودة في الطاقة الإنتاجية هما السبب الرئيسي في عدم التوازن بين الإمدادات والطلب، ما يعني أنه يمكن لبعض العوامل التسبب في تقلبات حادة في السعر، على رغم أن العوامل الأخرى مثل المضاربة في السوق قد ترفع الأسعار أيضا. عنصر جديد آخر طرأ على العوامل التي تحدد أسعار النفط هو دخول الكتلة الآسيوية ممثلة في الهند والصين أسواق الدول المستهلكة، الأمر الذي ضاعف من الطلب المتزايد على النفط كسلعة استراتيجية.
وحتى العام 1993 كانت الصين مكتفية ذاتيّا في النفط، ومنذ ذلك التاريخ تعاظم ناتجها المحلي القائم 3 أضعاف وازداد طلبها على النفط بمقدار الضعفين. لقد تضاعف الطلب الصيني على النفط من 1,7 مليون إلى 3,4 ملايين برميل/ يوميا بين الأعوام 1985 و1995. وقد تضاعف أيضا مرة أخرى ليصل إلى 6,8 ملايين برميل/ يوميا في العام 2005
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2008 - الأربعاء 05 مارس 2008م الموافق 26 صفر 1429هـ