أي نظام اقتصادي في الدنيا حين يسعى لتحقيق التنمية فهدفه محاربة الفقر وتحقيق الرفاه الاقتصادي للشعب، فالتنمية من أجل الناس وليست ألعاب كبار، يبنون مباني شاهقة كما يبني الأطفال بيوتا من الرمال. وتحقيق التنمية الاقتصادية (العمارة) من أهم وظائف الحكومة، يقول علي بن أبي طالب (ع) : «فضيلة السلطان عمارة البلدان». وحكومتنا تتبجح بانجازاتها طوال عقود مضت، الأبنية صارت تناطح السحاب، المشروعات السياحية تملأ البلد في أوساطها وأطرافها، زيادات هائلة في الموازنة العامة حتى زادت بنسبة أكثر من 200 في المئة في غضون 10 سنوات، ولكن لم يلمس المواطن تغييرا للأحسن، بل الأسوأ كما تشهد بذلك الأرقام التي أتحفتنا بها الحكومة نفسها من خلال دراسة مكنزي، وفيها ازداد تدني أجور البحرينيين بنسبة كبيرة جدا. تقارير إجمالي الدخل المحلي سنويا أنه ينمو بنسبة حقيقية تزيد على 6 في المئة، وهذه نسبة كبيرة، مع ذلك الناس يعلو ضجيجها يوما بعد من شدّة تراجع قدراتهم المعيشية وألم لسعات ارتفاع الأسعار. لماذا خطط التنمية، ومشروعاتها؟ وهل هذه الأبنية العملاقة والمشروعات المليارية تنمية حقيقية أم أضغاث أحلام وأوهام يتم توزيعها بالمجان على وسائل الإعلام الأجنبية؟
نجاح التنمية يُقاس بتحقق أهدافها، وهدف التنمية الرئيسي تمكين كل فرد من المجتمع بتحصل مما يكفيه من متطلبات الحياة المعيشية، وحين تفشل الدولة بشكل دريع ليس فقط عن الوصول لهذا الهدف، بل تتراجع وتبتعد سنة بعد أخرى عن هذا الهدف أكثر من السابق، فماذا نسمي ذلك؟ لا يوجد عذر للحكومة، فالثروة متوافرة، والدخل من النفط هائل، وإجمالي الدخل المحلي أعلى نسبيا من كل الدول الخليجية باستثناء الإمارات، ولكن هنا إفراط في سوء التوزيع، مما يعني أن منهج التنمية التي خططت له الحكومة، ونفذته، كان يزيد الأكياس المنتفخة انتفاخا، والأكياس الخاوية خواء، فالمنهج والسياسة الاقتصادية تصب في صالح تكدّس الثروة والدخل الهائل في جيوب قلة من الموطنين وحرمان الأغلبية الساحقة.
يقول الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، الشيخ علي سلمان “هناك مداخيل عالية من النفط وانجازات عمرانية غير مسبوقة، لكن عندما تحدث طفرة عمرانية تصب في صالح الأغنياء فيما طوابير المواطنين تنتظر طلبات بيوت الإسكان فإن هذا الانجاز اعور لأنه لا يرى الفقراء، الرواتب متدنية جدا والحكومة فشلت في معالجة التضخم والغلاء وتدني الدخول، والطبقات تنسحق وتصبح معدمة”. ولكن لماذا الإنجاز أعور؟ هذا إما لأن المنهج المتبع والسياسة الاقتصادية خاطئة، أو لأن التنفيذ غير نزيه، بالتالي لم تستطع الحكومة تحقيق هدف التنمية الأساس بشكل يتواءم مع مقدار الثروة المتوافرة في المجتمع، وما زال العجز عن توفير الرفاه الاقتصادي لأفراد المجتمع يزداد كلما زاد سعر النفط، هذا مع العلم أن متوسط دخل الفرد في البحرين يفوق الفرد في الكويت وقطر والسعودية، بينما واقع البحريني لا يمكن أن يُقارن مع جيرانه... وهنا يكمن العور الذي يتسم به إنجاز الحكومة.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 2007 - الثلثاء 04 مارس 2008م الموافق 25 صفر 1429هـ