العدد 2005 - الأحد 02 مارس 2008م الموافق 23 صفر 1429هـ

زمن التفسخ العربي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في هذه اللحظة بلغ حصيلة خمسة أيام من المحرقة الصهيونية ضد الفلسطينيين 110 شهداء، أمّا الجرحى فبالمئات.

قبل سنوات، وعندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية، تحرّكت الغِيرة والحميّة العربية، ومدّ العرب أيديهم لإخوانهم بما تيسّر، في أبسط أشكال التضامن المادي والمعنوي... أمّا اليوم، فرغم ما يجري من مجزرةٍ مفتوحةٍ على بُركٍ من الدماء، تحت بصر العالم وسمعه، نرى أنفسنا أمام وطنٍ عربي ممدّدٍ من المحيط إلى الخليج... كالجثة الخامدة .

هل نلومُ أنفسنا كشعوبٍ منشغلةٍ بصراعاتها الطائفية وحروبها القبلية والعرقية الصغيرة، أم نلوم الحكّام الذي شغلونا بهذه الحروب المفتعلة لصرف الأنظار عن الفساد وسرقة المال العام.

نغمض أعيننا في وقت متأخر من الليل على قراءة آخر أرقام الضحايا، ونصحو فجرا لنقرأ آخر ما أنجزه «جيش الدفاع الاسرائيلي» من مهمات في الليلة الماضية، وكم قُتل من «الإرهابيين» الفلسطينيين!

البلدان العربية المعتدلة وغير المعتدلة مشغولةٌ بمتابعة آخر أخبار البورصة وأسعار النفط، بينما تتفرج بقيّة بلدان العالم بمتابعة بورصة الدم الفلسطيني الذي ينزف من دون توقف.

الاسرائيليون كانوا واضحينَ: غزّة ستواجه المحرقة... دمارٌ وقتلٌ وفظاعات وأشلاء، والعرب ينتظرون الغزو البري الذي سيتم قريبا بعد تحديد توقيته الأمثل؛ لضمان أقل الخسائر بين جنودهم، وإيقاع أكبر عدد من القتلى بين النساء والأطفال والمدنيين والمسلحين الفلسطينيين، وتدمير أكبر عدد من منازلهم، مع صمتٍ رسمي تشمّ منه رائحة التآمر العربي.

أمين عام الجامعة العربية عَمرو موسى اعتبر الصمت الدولي إزاء ما يحدث للشعب الفلسطيني بأنه «مُعيب ويحمل نوعا من الانحياز والخطورة؛ لأنه يؤكّد شلل المؤسسات الدولية في التعامل مع ما يجري في غزّة»، ولكن السؤال: ماذا فعلنا نحن العرب تجاه أشقائنا في الدين واللغة والدم والتاريخ والجغرافيا... وحتى الموسيقى والتراث؟ فبدل أنْ نفكّر في كسر الحصار كما تقتضي المروءة والشرف والغِيرة والنخوة، يخرج وزير خارجية دولة عربية كبرى ليهدّد الفلسطينيين بكسر أرجلهم لو فكّروا مرة ثانية بالخروج من سجن غزّة واجتياز المعابر و«تدنيس الحدود الطاهرة».

قبل أربعة عشر قرنا، عندما اجتمعتْ بعض القبائل العربية على مقاطعة بني هاشم، وحصارهم في شعب أبي طالب وتجويعهم... خرج من بين أولئك المشركين الأجلاف مَنْ رقّ قلبه وعاد إلى إنسانيته فكسر الحصار، أمّا عرب القرن الحادي والعشرين فيتفاخرون بتشديد الحصار المحكم على غزّة، احتراما لالتزاماتهم الدولية وعهودهم التي أعطوها للبيت الأبيض واللجنة الرباعية، في محاصرة ومحاربة الإرهاب.

إذا كانت هذه مواقفنا نحن العرب، فهل ننتظر من أولمرت الذي يريد الانتقام من هزيمته في لبنان، غير الاستهزاء بكلّ الانتقادات، ومواصلة المحرقة والتهديد بقوله «لن يمنعنا شيء من مواصلة العمليات»! وإذا كان وزير الخارجية المصري مستعدا لكسر أرجل الفلسطينيين، فهل ننتظر من إيهود باراك غير التهديد بشن الهجوم البري الذي «أصبح أمرا حقيقيا وملموسا ولن نخجل منه».

واشنطن لم تخجل أيضا من تأكيد حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها، فهناك «فرقٌ كبيرٌ وواضحٌ بين الهجمات الصاروخية الإرهابية التي تستهدف المدنيين ومهاجمة المدن الفلسطينية بالطائرات الحربية الاسرائيلية للدفاع عن النفس» كما قال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جوردون جوندرو! نلومهم... أم نلوم العرب في هذا الزمن المتفسّخ الردئ؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2005 - الأحد 02 مارس 2008م الموافق 23 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً