سيكون من الصعب إبعاد شبح المدمرة «يو إس إس كول» عن أعين اللبنانيين على رغم تطمينات «المسئول الأميركي الكبير» بأنه لن تكون في مجال الرؤية من لبنان!
الأجواء في الشارع البيروتي تغلي بالحديث عن المدمرة وأهداف زيارتها ويكاد لا يخلو بيت أو مقهى من الكلام عنها وعن السيناريوهات المرتقبة والتي أعادتهم إلى أجواء الحروب السابقة وضيافة البوارج الحربية التي نزلت على شواطئ بيروت.
مشهد اليوم لم يكن بعيدا عن صورة المدمرة الإسرائيلية التي أعطبتها صواريخ حزب الله صيف 2006 أمام منطقة الرملة البيضاء وسيل الغارات المتلاحقة من الجو لأحياء ومنازل في بيروت أدت إلى نزول السفن الأميركية والفرنسية والألمانية لنقل اللبنانيين الحاملين لجنسيات تلك الدول، وكان منظرا غير مألوف عندما توزعت تلك السفن على سواحل بيروت وصيدا وصور «لنقل» مجموعات كبيرة من المواطنين حاملي الجنسيتين، وإنقاذهم من آلة الحرب الإسرائيلية.
«شحن» المقاتلين
قبلها، أي في العام 1982، كانت بيروت على موعد آخر مع سفن الإجلاء الآتية من بلاد «الغرب» لتحميل المقاتلين الفلسطينيين الذين ابعدوا من بيروت وجنوب لبنان إثر الغزو الإسرائيلي لأول عاصمة عربية واحتلالها في يونيو/ حزيران 1982 وجرى تسفيرهم بأسلحتهم وبموافقة فلسطينية وعربية إلى ديار العروبة، كاليمن والجزائر وتونس التي رحبت باستضافتهم إلى حين.
يومها نقلت الكاميرات صورا حية ومؤثرة لوداع المقاتلين الفلسطينيين وهم يجوبون شوراع بيروت مودعين بالزغاريد والأناشيد الحماسية بحثا عن طريق جديد يوصلهم إلى فلسطين.
الحماية الألمانية
ومنذ العام 2006 والسواحل اللبنانية في عهدة السفن الألمانية التي أوكلت إليها مهمة المراقبة وعمل الدوريات لمنع تسلل الأسلحة أو عمليات التهريب عبر الشواطئ اللبنانية والعمل على عدم استعمالها من قبل حزب الله في الوقت الذي تعمل فيه على تطمين «إسرائيل» من أن أمنها بضمانة ألمانية ولن يسمح لأحد بتعكير سلامها حتى وإن اختبر سلاح الجو الإسرائيلي هذه الضمانة الألمانية بطريقته الخاصة أكثر من مرة ومراقبة سفنه من الجو التي كادت طائراتها أن تصطدم بطائرات سلاح الجو الإسرائيلي فوق مياه لبنان.
المؤشرات التي يتحدث عنها اليوم أهل بيروت تنذر بالمخاطر وبمواجهات عسكرية قد تكون على حساب أمنهم ومعيشتهم واستقرارهم وربما حققت «الزيارة الصديقة» أهدافها قبل أن تتضح الرؤية، إذ أشاعت أجواء من الخوف لدى رجل الشارع الذي صار يبحث عن مأوى له يقيه من شر المواجهة إذا وقعت لا سمح الله، فأحمد الرجل الأربعيني الذي يسكن في «نزلة أبوطالب» في نهاية شارع الحمراء ببيروت انشغل منذ الأمس بتأمين حاجيات بيته من مواد تموينية وغذائية تحسبا من أي طارئ قد يحصل بعدما أقنع ابنه الصغير الذي دب في نفسه الفزع والخوف من قيام حرب تنعكس على صحته ونفسيته ويصاب بالإسهال من جراء سماع كلمة «حرب».
بيروت لم تنفك عن استقبال المدمرات والسفن الحربية القادمة بغرض «المؤازرة» أو بغرض «استعراض القوة» أو بغرض «الإنقاذ» وشحن ما تبقى من اللبنانيين الذي اعتادوا على تلك المواجهات والحروب، سواء في البحر أو في البر.
مثلما حصل العام 1958 عندما نزلت قوات المارينز على شواطئ الرملة البيضاء في عهد الرئيس كميل شمعون أو مثلما حدث العام 1984 أثناء «الزيارة الودية» للمدمرة الأميركة «نيوجرسي» انتقاما لتفجير مقر المارينز في بيروت العام 1983 والتي دكت مواقع جبل لبنان بقذائف تزن طنا من المواد المدمرة حيث القوات المشتركة (الوطنية والفلسطيني) وكانت في حينه تقاتل جنبا إلى جنب ضد «المشروع الأميركي الإسرائيلي» في المنطقة وأهدافه المعادية للنضال العربي!
«يو إس إس كول» التي حضرت أول أمس إلى البحر الأبيض المتوسط قادمة من مالطا سبق أن تعرضت إلى حادث إرهابي من أكتوبر/ تشرين الأول العام 2000 في ميناء عدن باليمن وسحبت إلى موانئ أميركا لإصلاحها ثم عادت للخدمة العام 2005 انطلاقا من ميناء «نورفولك».
يذكر أن المدمرة «يو إس إس كول» سميت باسم صانعها السيرجنت داريل إس كول (1920 - 1945)
العدد 2003 - الجمعة 29 فبراير 2008م الموافق 21 صفر 1429هـ