إن أحداث التاريخ، متى ما ثبت وقوعها بالدليل القاطع، تصبح خزائن معلومات احتياطية، وسجلات إدانة وإثبات يشهرها الباحثون والدارسون في وجه من يريدون التلاعب بأحداث التاريخ، بغية التستر على جرائم تمثل وصمة عار على جباه مقترفيها، وسبة لا يمحوها تكرار الليالي والأيام مهما طالت بها الأزمان وتقادمت عليها العهود، وتراكمت القرون.
ولئن دلت مثل هذه الأحداث التاريخية على أمر، فإنما هي دليل على أمة، أو فرد من أمة، فقدت أو فقد فردها أقل القليل من الأخلاق، واستمرأ أن يعيش في ظل تناقض ظاهره الزيف، وباطنه الضحك على الذقون، والخداع وليس أفضل ممن يقع عليه الاختيار من مجموعة من بشر لا يحصيها عد، ولا يحيطها عقل ممن نكبت بها شعوب العالم، وخصوصا شعوبنا العربية والإسلامية من رئيس الولايات المتحدة الأميركية جورج بوش الابن، الذي قاوم إرادة الشعب الأميركي في رفضه للحرب العراقية، لأنه وقتها فقد ذاته، واستسلم لشيطان اليمين المسيحي، يتلاعبون به كدمية على رقعة الشطرنج، إذ تتجلى اهتزاز شخصيته، وما تنطوي عليه نفسيته من ريب وشكوك في قرارة ذاته تجلت واضحة وضوحا مطلقا في قوله: «يجب علينا أن ننتصر في العراق، حتى لا تظهر أميركا كنمر من كارتون».
ليس ثمة من شك في أن هذا التصريح يعكس ضحالة ثقافة جورج بوش، بحيث عجز عن استيعاب أحداث التاريخ إلى درجة أنه نسي أو تناسى أن أميركيته الإلهية وشعبه المختار قد تخلى الله عنهم، منذ أن سطر اليمين المسيحي جبال أكاذيبه وتزويراته الباهتة على الله، وخصوصا عندما انفصمت إرادة الحكومة الأميركية عن إرادة الشعب الأميركي، إذ أنزل الله إرادته بانهزام أميركا على يد الشعب الفيتنامي في معركة قلعة «ديان بيان بو»، وحولها إلى نمر من كارتون، على أن هذا المصير هو مصير بوش في العراق، الذي يتخوف منه، بل وهو مصير كل حكومة في العالم، لا تريد أن تنصت لإرادة صوت شعبها، وتتهرب وتتستر وراء إعلام تخادع به نفسها، قبل أن تخادع الشعوب وتضللها بكومة من الوعود الكاذبة، لأن وعي الشعوب يحترق الكواليس ويرى وهي تتميز غيظا وتصب لعناتها، على ما يجرى خلف الكواليس من نهب وتبذير للمال العام برفاهية أفراد لا يتعدى عددهم أصابع الرجل الواحدة دون وجه حق.
«كان لمعتقدات الطهوريين ولأسلوب حياتهم تأثير قوي ومستمر في الفكر الأميركي الديني والدنيوي وفي مسيرة التاريخ الأميركي بصورة عامة... كما يتمثل تأثير هذه المعتقدات الطهورية المبكرة في موقف الأميركيين السياسي والثقافي من الآخرين وبصورة خاصة من المسلمين والعرب...».
وبقدر ما يواصل الباحث والدارس جهوده، وما يتسع له نفسه الفكري، وعمق ثقافته للغوص إلى أعماق الأحداث في بعدها التاريخي، ذلك أن التاريخ هو بمثابة البحر الذي في أحشائه الدر كامن، وإنه لابد من غواص ليخرج صدفاته... وتأسيسا عليه، فإنه... «ما من شك في أن على الباحث أن يعود إلى بدايات المجتمع الطهوري للأمة الأميركية للتعرف على العوامل المكونة لصورة الأميركيين الذاتية وإدراكهم بشخصيتهم وما تمتاز به، وبالتالي للتعرف على صورة العرب والمسلمين ومنطقتهم الجغرافية في الفكر الأميركي».
ولعله من المهم أن نقف قليلا، ونتدبر بعضا من المفاهيم والأفكار الساذجة التي يحملها المستوطنون الطهوريون الأوائل التي لا يقبلها أي مفهوم ديني ولا ترتكز على دلائل ثبوتية منها مثلا:
«1 - الاعتقاد الذي حمله المهاجرون الأوائل بوجود خطة إلهية (من تدبير الإرادة الإلهية) شاملة للعالم، يلعب فيها الطهوريون دورا مهما. كما اعتقد هؤلاء المهاجرون أن أميركا كانت موجودة في عقل الله منذ بداية الخلق».
«2 - الاعتقاد أن البروتستانتيين الطهوريين الذين غادروا أوروبا (وخاصة إنجلترا) واستوطنوا العالم الجديد هم شعب الله اختارتهم العناية الإلهية للخلاص والهروب من فساد العالم القديم وآثامه ولإنشاء مملكة الله في الأرض وهم في ذاك يشبهون أنفسهم بقبائل إسرائيل في هروبها من مصر إلى أرض كنعان».
«-3اعتقاد المستوطنين الطهوريين أنهم على علاقة تعاهدية مع الله، وأنهم شركاء في مهمة حددها الله لهم في هذا العالم». (راجع كتاب «من أجل صهيون» ص 68)
ولما لهذه المفاهيم والأفكار من خطورة قصوى على الأمة العربية والإسلامية تكمن من بين سطورها فقد ارتأينا أن نفرد لها مجالا في حلقة قادمة نناقش فيها هذه المفاهيم والأفكار تتسع لما يكمن بين سطورها لنضع المهتمين بقضايانا الاستراتيجية من كتاب وباحثين ودارسين أمام مسئولياتهم الوطنية القومية، حتى لا يستمر البعض منهم في الطيران والتغريد خارج السرب، والنطنطة على مختلف المربعات بشتى أطيافها مستعينين بالحبل الذي غالبا ما يكون مخصصا للرياضة والرشاقة النسائية!؟.
فيما الحقائق التاريخية الثابتة أن هؤلاء الطهورين والأصوليين من اليمين المسيحي، من الذين هاجروا إلى العالم الجديد، وكومة من الجهلاء والمشردين والمجرمين قد عاثوا في العالم الجديد من الفساد من انتهاك الحرمات ومن سفك الدماء والإبادات الجماعية، وما يقومون به اليوم في وقتنا المعاش من مجازر يومية ظاهرة للعيان، أو باطنة بفعل التآمر كما هو حادث في إفريقيا، وفي عدد كثير من بلدان العالم، وهنا نقتبس لإظهار دور أدعياء، الإصلاح، وتنوير بقية أمم العالم وهدايتها وإنقاذها من الجهالة والظلام... وهنا نتساءل: كيف يعالج الجهل من هو مدع وكاذب، ومفتر على الله الكذب وفاسق... فلنقف مليا ونتدبر الحقائق التاريخية التي تفضح ادعاءات اليمين المسيحي بشقيه الطهوري والأصولي، وهنا نسجل نص الاقتباس ننقله من كتاب «روجيه جارودي» (ص 167).
«فالسيطرة الهتلرية كانت إذا شيئا آخر غير «مذبحة» واسعة كان اليهود ضحاياها الرئيسيين... إن لم يكونوا الوحيدين، وهو ما تميل دعاية ما (؟؟..) إلى حملنا على تصديقه. لقد كانت كارثة أنسائية لم تكن، للأسف دون سابقة لأن هتلر طبق على البيض ما كان الاستعماريون الأوروبيون يطبقونه منذ خمسة قرون على البشر الملونين»، من هنود أميركا الذين أبيد منهم 60 مليونا من أصل 80... إلى الإفريقيين الذين نفي وقتل ما يتراوح ما بين 100 و200 مليون على اعتبار أن النخاسين كانوا يحصلون على عبد واحد مقابل عشرة قتلى في معركة الأسر.
هذا نموذج من الهداية، والإرشاد والتنوير الذي تقوم به أميركا للعالم، فليتعض الانتهازيون والمندفعون وراء أميركا من حكومات وأفراد... ولنا لقاء في حلقة آتية لمواصلة المزيد من الكشف عن وجه اليمين المسيحي الأميركي القبيح، أن هذا لا يعني تأييدي لأي شكل من أشكال التطرف الديني إسلاميا كان أو مسيحيا أو يهوديا صهيونيا... وسنلتقي.
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"العدد 2002 - الخميس 28 فبراير 2008م الموافق 20 صفر 1429هـ