العدد 2 - السبت 07 سبتمبر 2002م الموافق 29 جمادى الآخرة 1423هـ

انتقمت أميركا من افغانستان ودعمت إسرائيل وتخطط لضرب العراق

سنة على ضربة 11 سبتمبر

محمود التهامي comments [at] alwasatnews.com

.

ها هي الأيام تمر، ويعود سبتمبر/أيلول من جديد بعد أن حمل فى وجهه علامة بارزة أو عميقة، ولكنها على أي حال مميزة إلى درجة أنها أصبحت علما على الأيام. فيقال «قبل 11 سبتمبر وبعد 11 سبتمبر» لأن العالم الذى نعيش فيه بعد أن شهد حوادث ذلك اليوم، وبعد مرور نحو عام على وقوعها، لايزال يتخبط في آثارها الإقتصادية والسياسية والثقافية. ولا أحد يعلم بالضبط إلى أين تنتهي توابع تلك العملية التي هزت قلب الولايات المتحدة وأصابته بذبحة صدرية توالت آثارها على أطراف العالم القاصي والداني واشتكى لها الجميع بالسهر والحمى.

في صباح ذلك اليوم حين سقط التوأم المعروف ببرج التجارة العالمي في نيويورك كان سقوطه مدويا وكان مرئيا لمئات الملايين من البشر وصل اليهم في لحظات وقوعه. وتلك ميزة من ميزات نظام العولمة في الاتصالات والتقدم التقني الذي ضمن وحدة الزمان والمكان في كل بقاع الدنيا على رغم اختلاف خطوط الطول والعرض وابتعاد الشقة لآلاف الأميال.

وبقي في موقع الحادث سحابة كثيفة من الغبار والدخان وزوبعة هائلة من التراب مختلطة بالدم والنار.

ولم يكن يدور في ذهن أحد آنذاك أن تلك السحابة شبه النووية التي كست سماء نيويورك سوف تنتشر فوق بحر السياسات الأميركية آلاف الأميال حول العالم لتصل الى أراض بعيدة هنا أو هناك اتهمت بإنتاج الإرهاب أو تصديره أو الترويج له. وتدور الآن معركة غير محددة المعالم ضد عدو غير معروف نتائجها النهائية لاتزال في علم الغيب لا يستطيع أكثر المتنبئين دقة أن يتوقع نتائجا لمقدمات ما زالت فى ذهن صانع السياسة الاميركي الذي صدمته المفاجأة.

والحقيقة أن حادث 11سبتمبر الإرهابى ضدأميركا كان محاولة ممن قاموا به لنقل المعركة إلى داخل الولايات المتحدة بعد أن تعرضت مصالحها لهجمات متنوعة فى أماكن متعددة من العالم، فواشنطن كانت تعلم أن مصالحها مستهدفة وان هناك خصوما لها يحاولون النيل منها كدولة عظمى لها سياسات لا تروق للبعض، ولكن أحدا لم يرد في خاطره أن يحدث الهجوم على الأرض الأميركية ويطاول رموز سيادتها الإقتصادية و السياسية والأمنية في نيويورك وواشنطن.

وعلى قدر ما كان الحدث مدويا والتحدي صارخا على قدر ما كانت غضبة العملاق الأميركى عاتية. وتسبب ذاك الحادث في تنشيط اليمين الأميركي الذي ربط الحادث بتراخي الولايات المتحدة فى إظهار قوتها، وانها لو فعلت لما تجرأ الجناة على تنفيذ العملية ضد رموز السيادة الأميركية. وهكذا انطلقت صيحات الثأر والانتقام ودعا الداعي إلى «شن الحرب المقدسة ضد الارهاب الدولي».

استطاع اليمين الاميركي بقيادة الجمهوريين جمع كلمة الشعب على ضرورة الانتقام من الارهاب واستئصال جذوره في العالم. وتركز الغضب في نقطتين مهمتين: الاولى خدش الهيبة أمام المجتمع الدولى، والثانية نوعية رد الفعل ومدى استيعاب السياسة الاميركية للحادث.

وجرت دراسة الحادث دراسة أولية لاحتواء آثاره وتقرر الاستفادة منه كمبرر لتنفيذ عدد من الخطط السياسية المعدة سلفا وكانت تنتظر الظروف المواتية لتنفيذها. لست من القائلين بأن المفاجأة أفقدت الأميركيين التوازن، ربما حدث ذلك لوقت قصير جدا، ولكن الأمور سرعان ما عادت إلى الحسابات العملية وخطط الولايات المتحدة وبرامجها للتعامل مع دول العالم الاخرى والقوى الفاعلة فيه واستغلال الفرصة التي سنحت لتمرير مخططاتها مستفيدة من مأساة قومية.

نحن إذا أمام قضية هيبة الولايات المتحدة التي خدشها العمل الارهابي على مرأى العالم ومسمعه ونحن نتعامل مع قضية مصالح الولايات المتحدة التى لا يجب أن تصبح «ملطشـة»، وربما أغرى قوى اخرى التعرض لتلك المصالح أو على الأقل تعاملوا معها بقدر من الاستهانة لاتقبله الولايات المتحدة. ولذلك عرضت واشنطن على «المجتمع الدولي» واحدا من إختيارين، فإما حليف في الحرب ضد الارهاب، وإما عدو لا يجب الوثوق به.ورفضت السياسة الاميركية الحلول الوسط في هذا الموضوع إلا فى حدود ضيقة للغاية.

وأحست دول العالم بالأزمة الخانقة حين اقبلت العاصفة من موقع «برج التجارة العالمي»، وتوالى إعلان الدول شجبها وإدانتها للعمل الارهابى ومساندتها للولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب من دون ان تعرف على وجه الدقة أبعاد تلك الحرب.وسرعان ما تكوّن التحالف السياسي والعسكري ضد الارهاب واختارت الولايات المتحدة أفغانستان لتكون نموذجا للدولة المارقة التي ترعى الارهاب. وبالتالي تكون وعاء أول عملية عسكرية لتصفية تنظيم «القاعدة» الذي اتهم من دون أدلة دامغة بتدبير وتنفيذ العملية الارهابية، وضد نظام طالبان الذي يوفر المأوى للتنظيم المذكور.

ويمكن القول أن الولايات المتحدة نجحت في تحقيق هدفين في وقت واحد، الاول توجيه ضربة قوية شتت تنظيم «القاعدة» ولا يقلل من شأنها عدم العثور على معظم قادة التنظيم حتى الآن، والثاني تصفية نظام «طالبان» الذي كان يجاهر بالعداء السياسي للولايات المتحدة. وتلك رسالة إلى كل الدول التي تتهمها واشنطن برعاية الإرهاب أو توفر المأوى له، فهي لن تكون بمنأى عن يد الولايات المتحدة وقوتها العسكرية.

وبسبب عدم وجود معايير واضحة لتعريف الإرهاب اصبح الأمر منوطا بما تراه الولايات المتحدة فقط. وهكذا بدأت الأمور تتخذ مسارا مطاطيا غير محدد المعالم تختلط فيه الأهداف، لذلك بدأ التحالف ضد الإرهاب فى التشقق بعد عملية أفغانستان نظرا لاختلاف وجهات النظر على الأولويات وطبيعة الخطوة التالية. وبدأت دول مهمة فى التحالف كألمانيا وفرنسا وبريطانيا تطرح المزيد من الأسئلة وتطلب الايضاحات وتعلن أنها ليست مضطرة إلى مسايرة الولايات المتحدة إلا فيما يتم الاتفاق عليه بوضوح. وشارك في التحفظات الكثير من الدول العربية والإسلامية الحليفة للولايات المتحدة.

ولنأخذ مثلا موضوع العراق الذي حددته الولايات المتحدة كخطوة تالية لأفغانستان، فقد اختلفت سياسات الحلفاء إزاءه. فواشنطن ترى أن تصفية نظام بغداد بات ضرورة ملحة وتخطط لشن عملية عسكرية ضده، بينما يطالب الحلفاء الأوروبيون التريث وعدم الإندفاع في ذاك الاتجاه. وعارضت الدول العربية والاسلامية خطط اميركا لغزو العراق من طريق القوة العسكرية.

وربما كانت لأوروبا مصالح مع العراق تتعارض مع المصالح الأميركية فطلبت التريث في تنفيذ الغزو حماية لمصالحها، وربما كان الاختلاف نوعا من المناورة لتمرير الوقت حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن تفاصيل العملية العسكرية التي يحرص البنتاغون على تسريب أخبار عنها بصورة شبه يومية لتتحقق المفاجأة الاستراتيجية في التوقيت وليس في الضربة.

ومن باب العراق نصل إلى محطة مهمة للغاية تكاثـفت فيها تداعيات حوادث 11 سبتمبر/ايلول في منطقة الشرق الاوسط، إذ نجد أنفسنا أمام حزمتين من التأثيرات، الأولى والأخطر ذات بعد ثـقافي، والأخرى ذات بعد سياسي واقتصادي وتتعلقان بالقضية الفلسطينية وترويض الدول التي تملك الاحتياطات النفطية المؤثرة في بورصة الأسعار.

وترجع خطورة الحزمة الثـقافية إلى إرتباطها بالدين وإفتعال صدام بين الاسلام والغرب حرصت الدعاية الصهيونية على إشعاله فور وقوع حوادث سبتمبر. وهو ما يجب الانتباه إليه ومعالجته بصورة غير تقليدية عبر مجموعة من المثـقفين المهتمين بالشئون السياسية...

وما يؤكد الأمر، الخلط الذي روجت له إسرائيل وقبلته الولايات المتحدة بين أعمال المقاومة ضد الاحتلال والإرهاب. وعبثا حاول زعماء عرب ومسلمون توضيح الأمر للرئيس الأميركي جورج بوش وإدارته ولكن يبدو أن الاستجابة كانت سلبية في هذا الموضوع، ولا تزال الولايات المتحدة تصر على أن المقاومة ضد إسرائيل عملا من أعمال الإرهاب.

بعد مضي سنة على حادث سبتمبر تظل منطقة الشرق الأوسط بكل التعقيدات السياسية والثقافية القائمة فيها أكثر المناطق تأثرا بتلك الحوادث نظرا للدور التخريبي الذي تلعبه السياسة الإسرائيلية فيها وحرصها على تصعيد التوتر للحيلولة دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة بأي ثمن وبأية وسيلة.

كاتب ومحلل سياسي مصري

العدد 2 - السبت 07 سبتمبر 2002م الموافق 29 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً