العدد 1999 - الإثنين 25 فبراير 2008م الموافق 17 صفر 1429هـ

الإسكندرية: الحوار الثقافي العربي الأوروبي (4 - 4)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

استعرضنا في الحلقات السابقة مجريات الحوار الثقافي العربي الأوروبي في الإسكندرية في الفترة 19 و20 يناير/ كانون الثاني 2008 والذي اختتم بقراءة البيان الختامي كما يأتي:

ترتبط شعوب ومجتمعات منطقة المتوسط بتاريخ طويل.

كان يجب ان تكون تلك المنطقة مكانا يتميز بالتضامن والتآلف بين شعوبها لكونها ملتقى الثقافات والمعتقدات. غير ان التآلف المرجو بين شعوب منطقة البحر المتوسط لم يتحقق. بل زادت الصراعات، وانتشرت المواقف الرافضة للآخر وصارت أعمال العنف أكثر حدة وضراوة. فتراكم الصراعات المعلقة والآمال المحبطة والخوف قد يتحول الى مواجهات أكثر خطورة.

لقد تم اتخاذ مبادرات عدة من قبل الدول والمؤسسات الدولية. فأقام الاتحاد الأوروبي الشراكة الأورومتوسطية ثم سياسة الجوار. كما أطلقت كل من فرنسا وايطاليا واسبانيا مشروع الاتحاد من اجل منطقة المتوسط. واطلقت تحت رعاية الأمم المتحدة مبادرة تحالف الحضارات. غير انه يتعين إضافة جهود المنظمات والمنشآت غير الحكومية وممثلي المجتمع المدني لتلك المبادرات.

ومن هذا المنطلق تقرر انشاء «ورشة العمل الثقافية في المنطقة الأورومتوسطية ومنطقة الخليج» بمبادرة من رئيس الدولة الفرنسية.

وبعد عقد لقاءين، الأول في باريس في سبتمبر/ أيلول 2006، والثاني في اشبيلية في شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران 2007 ، يجيء الاجتماع الحالي للورشة الثقافية بالاسكندرية في يناير 2008.

وتختص الورشة الثقافية بتشكيل منتدى للمناقشة يعمل في إطار نشاط مشترك لممثلي الحكومات والمجتمعات المدنية الأوروبية والمتوسطية والخليجية ويتناول حوار الشعوب والثقافات.

وناقش المشاركون خلال اللقاءات الثلاثة الشروط اللازمة لنمو ثقافة الاعتراف بالآخر وثقافة الحوار حتى لا تتحول قيم كل مجتمع الى أداة لمعاداة الآخر.

إن الدور الذي يمكن لكل منا ان يلعبه إزاء هذا الموضوع يعتمد أساسا على توجهه حيال تقدم مصير الانسانية.

إننا في الواقع أمام موقفين متقابلين تماما، الأول يؤمن بحتمية الصراعات بين الشعوب والثقافات والحضارات، ويعتبر مواجهاتها إحدى المعطيات التاريخية التي يتعين علينا تلافيها من خلال استراتيجيات دبلوماسية وعسكرية. أما الموقف الثاني فلا يعتقد فقط بوجود قيم مشتركة للانسانية ينبغي الارتقاء بها، بل يؤمن بأن الانسانية في تطورها عبر التاريخ تتقدم نحو إرساء قيم العدل والحرية والوفاق بشكل أوسع.

واقتناعا بوجهة النظر الثانية، فإن ورشة العمل الثقافية تتعهد بالعمل على دعم وترسيخ القيم الكونية السامية وعلاقات السلام والتعارف بين الشعوب.

ويجب أن تمثل أولوية الجهود في دعم التربية التي تحث على تنمية أساليب التفكير. هذه التربية التي ترفض الانماط التقليدية والخمول الفكري والسطحية والتطرف الفكري، وذلك من خلال قبول كيان الآخر واحترامه وحسن الاستضافة.

وهناك اثنان من المبادئ الرئيسية التي تحكم تلك الأعمال، يتمثل الأول في تعدد وتنوع الثقافات والذي يجب ان يمثل جزءا من القيم المشتركة لمجتمعاتنا. فالاعتراف بهذا التنوع الثقافي انما هو شرط من شروط الحوار بين الثقافات.

بينما يتمثل المبدأ الثاني في ضرورة الاعتماد على فلسفة سياسية تنبثق من فكرة الحوار. بيد ان الفلسفة السياسية الوحيد التي تعترف بأن أي قرار يجب ان يكون ثمرة التبادل بين المعتقدات والآراء هي فلسفة الديمقراطية. وهي فلسفة لا تنتمي للشرق ولا للغرب ولا للشمال ولا للجنوب. بل ان اهدافها الرئيسية تتمثل في تشجيع الحرية الفردية وحرية العقيدة والمساواه بين الرجل والمرأة.

والتعايش بين الآراء والمجموعات المختلفة، التي ليس لها بالضرورة الاعتقادات نفسها ووفقا لذلك فإنه لا يمكن الاكتفاء بالاجراءات الانتخابية فحسب.

ومنذ بداية اعمال ورشة العمل الثقافية، ركز المشاركون جهودهم على مناقشة التصدعات التي تمزق مفاهيمنا عن العالم والحياة, ولاسيما الصراعات الدولية وبخاصة الصراع العربي الاسرائيلي والوضع في العراق ولبنان. انه لا سبيل من تنمية الحوار بين الثقافات والحضارات والحصول على النتائج المرجوة منه الا اذا اتبعت الدول سياسة دولية اكثر عدالة ولا يمكن ان يتصرف القائمون عليه على أساس رؤية فردية من طرف واحد. وذلك فيما يتعلق بالمصالح وروح العدالة. فإن لم يكن المجتمع الدولي مرتكزا على الثقة المتبادلة وفكرة الحقوق، وان كان المجتمع يعتمد بصورة مطلقة على الدلالات غير المنطقية للحكومات، فإنه بذلك يفتح السبل كافة لأعمال العنف التي يعجز النظام الأمني عن ردعها. فالثقة في القانون الدولي يجب ان تمثل احدى القيم المشتركة والاساسية للحوار بين شعوب وثقافات أوروبا والبحر المتوسط والخليج.

واتفقت الاطراف المشاركة في الاجتماعات الثلاثة على بعض الأعمال التي من شأنها ان تسمح بالمضي قدما في هذا الاتجاه. فبجانب حوار الحضارات، يتطلب الأمر بعض الأعمال التنظيمية للتعاون المشترك سواء المدرسي او الجامعي او القضائي او العلمي او الاعلامي او الفني. على ان يشتمل هذا البرنامج على بعض السياسات التربوية التي تنفتح على الثقافات والديانات الأخرى، فضلا عن إلقاء الضوء على القيم المشتركة للديانات السماوية الثلاث وتعاليم حقوق الإنسان وفلسفتها، هذا بالإضافة الى التعريف بالتراث الثقافي، كما يقتضي حوار الثقافات التشارك في المعرفة وتنمية السياسات التي من شأنها التيسير من تداول الأفكار والأعمال وانتقال الأفراد.

ويعي المشاركون كافة العقبات التي تقف أمام تحقيق مثل هذه الآمال. وهم يصرون على عدم الاستسلام والتوقف أمامها، ويؤكدون عزمهم على بناء وتحقيق مستقبل مشترك.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1999 - الإثنين 25 فبراير 2008م الموافق 17 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً