العدد 1998 - الأحد 24 فبراير 2008م الموافق 16 صفر 1429هـ

الحركة العمالية البحرينية على محك المزيد من التفتيت

عبدالله مطيويع comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيتذكر الجيل القادم والذي بعده والتاريخ يشهد أن الأعضاء الذين انتخبهم شعب البحرين للدفاع عن مصالحه في التشريع والرقابة قد ساهم بجهل أو بمعرفة أو من دون دراية في تشريع قانون التعددية النقابية الذي سيعمل بصورة أساسية على تمزيق وتفتيت الحركة العمالية البحرينية وسيحضر لها قبرا عميقا.

السادة النواب اليوم وافقوا على تعددية الاتحادات العمالية والنقابات في البحرين، ووقعوا في فخ تمت تهيئته لهم بإتقان المهندس العارف في شئون تمزيق وتفتيت وشرذمة الحركة العمالية أكثر مما هي عليه الآن.

وكما لو أن البحرين هي الولايات المتحدة الأميركية أو كندا أو فرنسا أو بلجيكا أو الصين أو البلدان الكبيرة التي عدد سكانها يستوعب التعددية النقابية وليست هي هذه الجزيرة الصغيرة التي يقارب تعداد سكانها 530 ألف بحريني و519 ألف أجنبي.

وشاركهم في الوقوع في هذا الشرك البغيض بعض النقابيين وبعض الراكضين إلى المغانم ومتسلقي الأكتاف وبعض من في أنفسهم حاجات يريدون قضاءها على حساب العمال.

وأنني لأعجب أشد العجب من هكذا مواقف، أهذه هي المكافأة لدماء شهداء الحركة العمالية الذين ضحوا ودفعوا أثمانا باهظة بدءا من تسريحهم من العمل والملاحقات في الرزق والسجون لسنوات طويلة لكي يصير للعمال نقابات واتحاد، لايزال يحبوا ولم يشتد عوده، ولم يتمكن من المشي بثبات كما كان يتمنى له ويحلم له الحالمون من رعيل التضحيات منذ العشرينيات والأربعينيات حتى السبعينيات وما بعدها؟

ما علم الذين غادرونا، ستنتابهم الحسرة والكآبة من أمثال الشهيد المناضل محمد بونفور وسلطان حافظ ومن عانوا وقضوا بسبب مواقفهم وتضحياتهم أمثال عزيز ما شاء الله وأحمد محارب، وعبدالله الدوري، ومن دهستهم آلات العمل أو ماتوا بسبب إهمال أرباب العمل في توفير ظروف وأدوات السلامة للعمال، مثل العمال علي سعيد إبراهيم وعبدالله جناحي، وعبدالحسن جاسم الجمري وإسماعيل عبدالله وحسن راشد عبدالله في السبعينيات في مصنع ألبا، الذي أسماه العمال آنذاك مصنع الموت.

وسيتحسر المناضل الكبير عبدالرحمن الباكر صاحب فكرة اتحاد العمل البحراني للعمال والمواطنين وأصحاب المهن الحرة هو ورفاقه من هيئة الاتحاد الوطني 1945 - 1956.

يا إخوتنا يا نواب شعب البحرين الكرام، ألم تلحظوا مدلولات الاسم، الاتحاد العام للعمال والمواطنين وأصحاب المهن الحرة في البحرين؟ حكمة ينبغي التوقف عندها حين نقرأ تاريخ نضالات حركتنا العمالية، إذ يعود الفضل إلى هيئة الاتحاد الوطني واتحاد عمال البحرين في ولادة قانون العمل البحريني 1957 الذي نظم علاقات العمال بأرباب العمل. بعد 58 جلسة من المفاوضات المضنية بين مندوبي الهيئة وشركة نفط البحرين (بابكو) والحكومة وهو الذي لفت أنظار الانجليز في العام 1954 إلى قوة عمال البحرين وهيبتهم وقوة هيئة الاتحاد المساندة لاتحاد العمال وجعل الانتداب والحكم يجلس مع الهيئة للتفاوض بشأن مطالبها، وعلى رأسها تشريع العمل النقابي حين نفّذ عمال بابكو إضرابهم الشهير في بابكو في ديسمبر/ كانون الأول 1954 ولمدة أسبوع.

يومها دارت رؤوس الانجليز وتيقنوا أن هؤلاء العمال البحرينيين قوة لا يستهان بها وان هيئة الاتحاد الوطني بقيادة عبدالرحمن الباكر قوة ينبغي أن يحسب لها ألف حساب، ولابد من الجلوس معها للمفاوضات. وهكذا صار وتم الاعتراف بالهيئة وربما بعض الدول العربية، ففي أحد المؤتمرات العمالية العربية قال لي أحد رؤساء اتحادات العمال في العام 1993 إن قانون عملكم هذا أفضل من عدة قوانين عربية وهو قانون العمل الأول في الخليج والجزيرة.

نقول دوما كما قال آباؤنا وأجدادنا وتاريخ وطننا: حين نتوحد ننتصر وحين نتشرذم لا ننتصر. ولنا في لبنان مثال، فهم ندموا أشد الندم على التعدد النقابي الذي قاد إلى التشرذم والضياع والاحتراب الطائفي فيما بعد. وكان مخطط تفتيت الحركة العمالية اللبنانية يسير بالوتيرة نفسها، واسألوا اللبنانيين... يوم ذهبت لتعزيتهم في وفاة رئيس الاتحاد قالوا: «نرجو ألا تكرروا أخطاءنا في التعدد النقابي». فيوم حدثت التعددية النقابية ضاعت الحركة العمالية اللبنانية، فهل أنتم مع ضياع الحركة العمالية البحرينية؟

وفي الكويت، حين تم تأسيس النقابات في العام 1962 وتمت مباشرة تشكيل النقابات وتشكلت أول نقابة حكومية (نقابة الصحة) التي رأسها حسين الصقر ومعه رفيق دربه حسين اليوحه وتلته بقية نقابات القطاع العام وتبعه قطاع النفط وتشكلت نقابات القطاع الخاص والقطاع العام... كانت نظرة الإخوة النقابيين في الكويت واقعية ومبنية على احتياجات وخصوصية الحركة العمالية الكويتية فشكلوا اتحادين فقط.

أقول للإخوة نواب الشعب الكرام: راجعوا أنفسكم جيدا، لكن لا تحملوا إثما أكبر من الآثام التي لبستكم بسبب بعض مواقفكم التي لا تحسدون عليها.

الإخوة في مجلس الشورى وأعني التجار منهم سيصلهم حريق التفتيت والطأفنة إذا مرروا هذا المشروع الخطير، حفاظا على ما تبقى من اللحمة الوطنية وألا يتورطوا في الطأفنة والتعددية. هذه اللوثة التي ستقود عمال البحرين حتما إلى نقابات طائفية ويومها لن تقوم لعمال البحرين قائمة وهذه المرة لن يمزق شعب البحرين الإنجليز أو الحكم، بل نواب شعب البحرين وعمال البحرين وبامتياز في مسلسل طويل بدأ ولم ينتهِ بعد.

وإذا كانت النقابات اليوم تصدع رؤوسكم بعض الوقت، فالنقابات الطائفية ستصدع رؤوسكم طوال الوقت، ولن تفيد يومها الصلوات ولا الاستغفارات، ولا الندم حين تقع الفأس في الرأس.

وأخيرا نحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فليس لدينا وضع قبلي كما في بعض دول الجوار، وإلا لصارت عندنا نقابات قبلية وطائفية. ولو كان وضع البحرين كذلك إضافة إلى حالنا الطائفي الذي لا نحسد عليه، لصار أمرنا أكثر خرابا وفرقة ودمارا مما نحن فيه، فكفى يا نواب شعب البحرين. ويا عمال البحرين، ليس لكم خيار إلا أن تتحدوا وإلا ستؤكلون كما أكل الثور الأبيض!

إقرأ أيضا لـ "عبدالله مطيويع"

العدد 1998 - الأحد 24 فبراير 2008م الموافق 16 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً