العدد 1996 - الجمعة 22 فبراير 2008م الموافق 14 صفر 1429هـ

مجالس صورية بلا إنجازات... (2 / 2)

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

تناولت في المقال السابق حقيقة المجالس الصورية وركزت بشكل أساسي على المجالس البلدية، وما آلت إليه، أواصل في المقال الحالي ما بدأت به، محللة بعض الأسباب ومتطرقة في النهاية إلى بعض الحلول الممكن الوقوف عليها.

فالمجالس البلدية مقيدة مكبلة لا يمكن لها أن تحقق الطموحات لأسباب عدة ولعل أبرز أسبابها تعطيل إرادة الإصلاح وعدم جديتها هذا إذا أردنا أن نكون شفافين وواضحين بدون لف أو دوران.

صار على المجالس البلدية أن تحمل هما ثقيلا وأكبر من همها التي تحمله على ظهرها، ولا يمكن للمجالس البلدية مواجهته، فهي لاتزال تدفع ضريبة فشل المجلس النيابي بتركيبته الحالية والسابقة، فالمجلس النيابي نظرا الى طبيعته لم ينجح في تحقيق طموحه وأهدافه، ولم تسعفه جهوده في القيام بأدواره الجوهرية التشريعية منها والرقابية، وبالتالي حاول جاهدا أن يصرف جهده نحو المشروعات الخدماتية التي من الممكن إنجازها، مقارنة بالدور الرقابي والتشريعي المعطل والمكبل.

اضطر إلى الهرولة للمشروعات الخدماتية التي تخص المجالس البلدية لا تمت بعلاقة بواقع المجالس النيابية فقط لأهداف حفظ ماء الوجه أمام الناخبين، ولفشلهم في القيام بأدوارهم الأخرى، على رغم أن ذكاءهم السياسي خانهم هذه المرة ولم تجهز الخلطة السحرية بصورة جيدة، إذ ان تعويضهم في هذا البعد لم يرفع عنهم تكليفهم الأول، ولن يشفع لهم أمام جماهيرهم الذين التفوا حولهم مؤيدوهم طمعا في تحقيق مصالحهم، بل انشغالهم بهذا البعد قد زاد الطين بلة، وجعل من مجلسهم هو الآخر مجلس صوري خاوٍ على عروشه بلا هوية وبلا إنجازات، لتكتمل الصورة البائسة بمجالس صورية كراسي محشوة وضجيج وصراخ وخطب شقشقية، بلا إنجازات والناس ملت وسئمت من الكلام اللي ما يسمن ولا يغني من جوع.

والعيب كل العيب لا يكمن في الممثلين الذين تم اختيارهم، ولا في البرامج الانتخابية الذي أتعبت النواب، وجعلتهم يصرفون عليها الشيء الفلاني، ولا في آلية التعاطي مع الجماهير، على رغم أهمية كل ما ذكر.

وليس الحل يكمن في تغيير الوجوه والدماء كما كان الناخب يظن، ولكن العيب كل العيب في حقيقة المجالس وفي آليات عملها وفي طبيعة أدوارها و طبيعة علاقاتها مع المؤسسات الأخرى، ونوعية تعامل الحكومة معها، فالحكومة أصلا لا تعترف بالمجالس بدليل تجاوزتها المتكررة في الكثير من الأمور للمجلس النيابي تحديدا على رغم كونه المجلس المعني بالتشريع ومراقبة أداء الحكومة.

ومجلس الشورى طبعا حدث ولا حرج، لا ينطقون عن الهوى وإنما يمثلون إرادة الغالية الحكومة، التي عينتهم وفرضت عليهم الوصاية، وهم قبلوا بها بمجرد موافقتهم على قرار التعيين والعمل في الغرفة الثانية للتشريع.

أصبح لدى الحكومة أربعون ممثلا معينا ونصفهم منتخبون بالتعيين في الغرفة الثانية، ما جعل مصير مجلس النواب محكوم بالصورة لا بالمضمون.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل نحن فعلا بحاجة إلى مجالس صورية مأسورة ومكبلة الأيدي ومسلوبة الإرادة ومخنوقة بلا إنجازات؟ أم نحن في أمس الحاجة إلى مجالس فعلية جوهرية بإنجازات وأدوار حقيقية؟

ان محاولة الوقوف على هذه النوعية من الأسئلة ستحدد لنا بوصلة الطريق وبالتالي رسم الخطط والبرامج المستقبلية، أما أن نبقى نهرب بأنفسنا من الإجابة على أسئلة كهذه فإن هذا يأخذنا إلى حيث لا نريد إلى صحراء قاحلة جرداء لا حياة فيها، وما نريده فعلا أن نتجه إلى حيث الواحات الطبيعية حيث الحياة وأسبابه.

أظن بأن فكرة المجالس فكرة تستطيع أن توفر لنا أسباب الحياة الكريمة ان تأخذنا بعيدا عن الصحارى، إلى حيث الواحات، ولكن بشرط توفر الإرادات، ولكن أن نظل نعمل بلا إحساس وطني، وأن نحقق فقط لكوننا مطالبين بتحقيق الوعود دون النظر مليا بما نصنعه ونقدمه، وأن نظل نمن فذلك قد يأخذنا بعيدا، ويشغلنا أكثر من يريحنا.

علينا من جديد أن نفكر في حقيقة المجالس التي صارت بلاء لنا، ونقمة علينا، وعلينا أن نفكر كيف يمكننا أن نحولها إلى نعمة نستفيد منها بدلا من إضاعة جهودنا ووقتنا، وإضاعة أموالنا عليها، فالصورة باهتة وتحتاج إلى رعاية والرعاية تحتاج إلى إمكانات كبيرة من الإرادات، والإرادات غير مستحيلة ولكنها قد تكون صعبة إذا لم تتوفر القناعات، والقناعات نحن نصنعها وما دام القلب يخفق فإن مصانعنا لاتزال لديها القدرة على العطاء، والقناعة تقول هذه المرة لسنا بحاجة إلى مجالس صورية ونريدها واقعية تحمل همومنا وتصرعها تعدمها، بدلا من أن تتصارع معها محدثا ضجيج وعويل يصدع الرأس ويدمي القلب.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1996 - الجمعة 22 فبراير 2008م الموافق 14 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً