بدأت «إسرائيل» حملة وحشية هستيرية ضد قطاع غزة، وذلك بتدمير بعض مناطقها، وتحذير سكانها من البقاء في بيوتهم، وهي تعتمد في ذلك على دعم أميركا وبعض الحلفاء الأوروبيين، وربما بعض العرب، لاتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بتغيير الوضع في غزة، لأنَّ المطلوب إسرائيليا وأميركيا هو إسقاط الحالة الإسلامية التي تُمثّلها «حماس» وبقية فصائل الانتفاضة. وأعلن وزير حرب العدو، أنه أمر جيش الاحتلال بالاستعداد لشنّ عدوان واسع على غزة، مهددا بتصفية قادة «حماس» من دون تمييز ونلاحظ أنَّ هذه الاستعدادات الصهيونية تشير إلى أنَّ العدو فشل في إيجاد حلولٍ لصواريخ المقاومة التي فعلت فعلها في رسم معالم توازن أمني جديد مع العدوّ، وأثّرت تأثيرا كبيرا في مستوطني العدو في أكثر من مستوطنة، كما أن ممارسات العدوّ الإرهابية في الاجتياح والاغتيال، لم تستطع أن تحقق له الأمن أمام تصميم المجاهدين على المقاومة في مواجهة عدوانه.
لقد قرَّرت «إسرائيل» أنَّ العالم العربي مات سياسيا، ولذلك فإنها تمارس حريتها في إبقاء الاحتلال، وفي تحويل فلسطين إلى سجن واسع لشعبها، من دون أن يحرك العرب ساكنا، حتى إن مسألة الحصار الخانقة أُردفت بتهديد عربي للفلسطينيين بكسر أيديهم وأرجلهم إذا تجرأوا على تجاوز الحدود من أجل تخفيف جوعهم ومعالجة أمراضهم وإنارة بلادهم. وفي جانب آخر، لا يزال الرئيس الأميركي يحاول أن يفسد العلاقات العربية - الإيرانية، ساعيا لإقناع العرب بأنَّ إيران هي العدوّ الذي يمثل الخطر على أمنهم ومصالحهم، وذلك من أجل أن يتحركوا لتأييد السياسة الأميركية، في الوقت الذي تتوسل أميركا إيران للدخول في مفاوضات معها عن الأمن في العراق، تخفيفا عن جنودها من ضربات المقاومة التحريرية.
ولاتزال مسألة الملف النووي الإيراني السلمي تثير الجدل الذي ربما تحوّل إلى حالة إرباك للأوروبيين، الذين يصرُّون - تحت الضغط الأميركي - على إقرار العقوبات في مجلس الأمن، على رغم تقارير وكالة الطاقة النووية من جهة، وأجهزة الاستخبارات الأميركية من جهة أخرى، والتي تجزم بعدم وجود برنامج نووي عسكري في إيران.
وفي السّياق عينه، فإنَّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تجاوزت العام التاسع والعشرين على قيامها بفعل الثورة الإسلامية التحريرية التي قادها الإمام الخميني، استطاعت أن تأخذ بأسباب القوة على رّغم الحرب المفروضة عليها عسكريا، كما في الماضي، واقتصاديا وعمليا وسياسيا، كما في الحاضر، ونرجو أن تستكمل عملية صنع القوة، وذلك من خلال ثورة التصنيع التي تستطيع من خلالها الدفاع عن نفسها ومواجهة التحدي ضدها، ونأمل لهذه الجمهورية أن تتابع الخطَّ الإسلامي الحضاري الأصيل الذي يرفض التخلّف، ويحرك الأجيال الجديدة للانفتاح الحالي والمستقبلي على القاعدة الإسلامية الفكرية الثقافية في كل مواقع المجتمع، ولاسيما في الجامعات، لتمهّد السبيل لحركة إسلامية كبيرة منفتحة على العالم كله.
ويبقى العالم الإسلامي يعاني الضغوط الدامية التي يواجه فيها المجازر الوحشية من خلال الاحتلال والخطوط التكفيرية، كما في العراق وأفغانستان وباكستان والصومال وبعض بلدان إفريقيا، وذلك من خلال الصراعات المتحركة في سياسات الدول الكبرى في تحريك قواها العسكرية التي فقدت الكثير من قدرتها في مواجهة مقاومة الشعوب، حتى إن بعض دول الحلف الأطلسي بدأت تنسحب من أفغانستان نتيجة الخسائر في جنودها، بحيث إن أميركا بدأت تصرخ من خلال عجزها، طالبة من دول أوروبا وغيرها أن تشارك في هذه القوات. إننا في الوقت الذي نتحفّظ على بعض الخطوط الثقافية العقيدية لدى بعض القوى الإسلامية، نلاحظ أنها تواجه الاحتلال بكلِّ قوة، لتعطيه درسا عنيفا بأن الاحتلال لن يحل مشكلته، وأن الحرب ضد ما يسميه الإرهاب لن يصل به إلى نتيجة، لأن الشعوب لا تسقط أمام نقاط الضعف، بل تعمل على تجميع عناصر القوة.
أما لبنان، فلا تزال الإدارة الأميركية وحلفاؤها في الداخل، تعمل لإثارة الدوامة التي تنقل الأزمة اللبنانية من موقع قلق إلى موقع أكثر قلقا، ومن تعقيد إلى تعقيد أكبر، لأنها ترفض أية مشاركة حقيقية قد توحي باستقرار الوضع لحساب استمرار المقاومة في حركتها ضد العدوّ، انطلاقا من الإستراتيجية الأميركية في حماية الأمن الإسرائيلي في الحاضر والمستقبل، ورفض أية قوة رادعة للعدوان، والسعي لإسقاط كلِّ عناصر الممانعة التي تمثل حصن الأمة وقاعدتها الأصيلة في مواجهة العدو. ولذلك عملت أميركا على إنهاء حركة المبادرة العربية، عندما أدخلتها في التعقيدات المحلية المتداخلة مع الخلافات العربية، لتدفع بالواقع اللبناني إلى اتهام فريقٍ لفريق، وإلى إثارة التشنج الكلامي الذي يثير المشاعر، ويحاول أن يؤسس لمناخات الفتنة السياسية والحزبية والمذهبية والطائفية التي تثير التعقيدات بين هذه الفئة أو تلك، أو في داخل هذه الطائفة أو تلك الطائفة، وصولا إلى استقواء زعامة على زعامة، إلى جانب المواعظ التقليدية التي تنطلق في أسلوب ديني يختزن في داخله بعض الحساسيات السياسية.
إنَّ الشَّعب اللُّبناني يخشى من استعادة الأوضاع السلبيَّة التي يتحرك فيها التفجير الأمني والسياسي، ويدخل فيها الفرقاء الإقليميون والدوليون، حيث لم يعد اللبنانيون يمثلون فريقا وطنيا واحدا، وشعبا قويا متماسكا، وهذا ما يواجهونه من خلال حركة المبادرات الخارجية التي تتدخل في الصغير والكبير من شؤونهم، وتضم هذا الفريق إلى هذه الدولة، وذاك الفريق إلى تلك الدولة. أمّا المساعدات، فهي للزعامات التي يراد لها أن توزِّعها على أوضاعها الخاصة للحصول على مصالحها السياسية... ويبقى الشعب جائعا محروما، لا يملك أن يحصل على مقومات العيش الكريم، ولكنه - بحسب الخطة المرسومة - يأكل من الهتافات والشعارات، ويصفق لمن يتحرك به نحو خطوط الاستعباد أكثر مما ينطلق به إلى خطوط الحرية والسيادة والاستقلال.
وأخيرا، إننا نلتقي باستشهاد القائد الإسلامي والمقاوم الكبير الحاج عماد مغنية، الذي عاش حياته مقاتلا ومجاهدا رساليا، فكانت حياة مليئة بالعطاء في سبيل الله، وفي مواجهة الصهيونية التي شرَّدت شعبا بكامله، ودمَّرت كل أوضاعه، واستباحت أرضه، وقتلت إنسانه، وزرعت الإرهاب في طول المنطقة العربية والإسلامية.
لقد مضى هذا الاسم الذي شكّل هاجسا للعدو، ولغزا للاستكبار العالمي... مضى إلى ربه شهيدا، بعدما صاغ حركة إبداع فريدة في المسيرة الجهادية التي هزمت «إسرائيل»، وفتحت عيون العرب والمسلمين على فجر جديد للانتصار، أطلّ على مرحلة جديدة، بدأت تشعر الشعوب العربية والإسلامية معه بأنّ العدو لم يعد ذلك البعبع الذي يخيف المنطقة ويروّع العالم.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1995 - الخميس 21 فبراير 2008م الموافق 13 صفر 1429هـ