العدد 1993 - الثلثاء 19 فبراير 2008م الموافق 11 صفر 1429هـ

الدفاع عن اقتصاد «السخرة»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام أطلعني الزميل هاني الفردان على صورٍ التقطها لأماكن سكن العمّال الأجانب الفقراء أثناء تغطيته الإضرابات العمالية الأخيرة. صفوفٌ من الحمّامات العمومية المكشوفة في العراء، ومقصورات أشبه بالمعسكرات النازية، تفتقر لماء الشرب البارد في الصيف، وللماء الساخن للاستخدام البشري في الشتاء.

ربما رأى الزميل مسحة حزن، فسألني: بماذا تذكّرك هذه الأماكن؟ فأجبته: إنها تذكّرني بسجن «جو». هناك كانت تسحق إرادة السجناء السياسيين من التيارات السياسية الإسلامية والوطنية الحيّة في الثمانينيات والتسعينيات، وهنا يُعصر العمال الفقراء ويجرى امتصاص جهودهم حتى آخر قطرة... لمصالح الرأسمالية «الوطنية»!

قبل سنوات قرأت أن لدينا في البحرين 5 آلاف مليونير، (بمعنى من يمتلك مليون دينار)، أي مليونير من كل مئة مواطن، بحسب الأرقام القديمة، ولا ندري كم ستصبح النسبة بعد أن بلغنا المليون فجأة خلال ثلاث سنوات!

وإذا كان هناك عددٌ كبيرٌ من الرجال والنساء الشرفاء الذين كوّنوا ثرواتهم بعرق جبينهم وجهدهم ومثابرتهم، فمما لاشك فيه إن من بين هذه النسبة هناك متنفذين وسماسرة ومدّاحين وطبقة طفيلية غير منتجة، تعيش على جهود غيرها من البشر وعذاباتها، أو على نشاطات هامشية مثل تجارة الرقيق الأبيض و «الفري فيزا»، حيث تمارس أحدث أنواع الرقّ في العصر الحديث، على يد شبكات العالم السفلي التي تزدهر في الفنادق و «المناهل» والشقق المفروشة، فيما يطلق عليه تأدبا «السياحة غير النظيفة».

العالم تغيّر. والعاملة الاجنبية التي قام عليها الجزء الأكبر من ازدهار الاقتصادات الخليجية لم يعد بأيدينا التستر على معاناتها ومشكلاتها بعد اليوم. فهناك تقاريرُ لابد أن نقدّمها دوريا لنثبت مدى تقدمنا في مجال احترام حقوق الإنسان، واحترام العهود الدولية التي وقعنا عليها. ثم إن الدول المصدّرة للعمالة بدأت تتحرّك لحفظ حقوق مواطنيها في دول المهجر، ومن صلب عمل سفرائها العمل على حفظ حقوق عمالتها المهاجرة في الخارج.

قد لا يعجبنا ذلك. وقد نعتبر ما قام به السفير الهندي بال كرشنا تدخلا سافرا في شئوننا الداخلية المصونة. وقد يعتبره بعض المتشنّجين محرِّضا على الإضرابات ويطالب بطرده. ولكن كل هذه الخطوات تدل على أننا مازلنا نعيش في عصر الظلمات.

العالم تغيّر. وتغيّر كثيرا. وقد أوشكت مرحلة العمالة الأجنبية الرخيصة أن تنتهي. وربما لن يتأخر ذلك كثيرا. فليس الفقراء هم فقط المحتاجين إلى العمل، ولكن الاقتصادات الريعية القائمة على السخرة هي الطرف الضعيف، حتى لو لجأنا غدا إلى استيراد العمالة من فيتنام وكمبوديا ولاوس، أو اتجهنا إلى إفريقيا لنستورد «الجيل الجديد» من المستَعْبَدين والأرقاء من الصومال وإثيوبيا ودول الحروب والمجاعات.

لست ماركسيا طبعا... ولكنه الاقتصاد الذي يجمع الفقراء والمظلومين في جانب، وأصحاب المصالح والملايين والمستغلين في جانب آخر. وحسنا فعل الاتحاد العام لنقابات عمّال البحرين بمساندته مطالب العمّال الأجانب، في موقف إنساني نبيل.

حقوق الإنسان كلٌّ لا يتجزأ، والظلم ظلماتٌ في الدنيا والآخرة، والتمييز الطائفي جريمةٌ وعنصريةٌ، وسلب حقوق العمّال والأجراء عارٌ وفضيحةٌ أخلاقيةٌ لا تسترها التقارير الوردية الهشة التي سنقدّمها في المحافل الدولية.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1993 - الثلثاء 19 فبراير 2008م الموافق 11 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً