العدد 1990 - السبت 16 فبراير 2008م الموافق 08 صفر 1429هـ

الأغنى والأفقر والحاجة لحوار عن التوجه الجديد

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

مازال البعض غير مصدق أن نصيب الفرد في البحرين يفوق نصيبه في كل الدول الخليجية بما فيها الكويت وقطر، ولا يفوقه سوى الفرد في الإمارات العربية المتحدة، ويبلغ نصيب الفرد في البحرين من إجمالي الدخل المحلي ما يقارب 640 دينارا تقريبا لكل فرد من حيث القوة الشرائية (بحسب تقرير التنمية البشرية الصادر العام 2006)، فالعائلة التي تتكون من 5 أفراد، متوسط دخلها أكثر من ثلاثة آلاف دينار تقريبا شهريا. وعلى ذلك، يُفترض أن البحريني أكثر رفاهية من الخليجيين جميعهم، ما عدا الإماراتيين، غير أن الواقع عكس ذلك تماما. وهذا يعني بكل بساطة وجود دخل كبير ولكن مع سوء توزيع عبّر عنه أحد الفلاسفة أحسن تعبير، فحين سُئل عن وفرة الثروة مع حصول التفاوت الفاحش، فأجاب بأن ذلك يعود لسوء التوزيع، فلما سئل عن معنى سوء التوزيع، أشار إلى لحيته الكبيرة والغليظة وقارنها مع رأسه الأصلع المؤطر بقليل من الشعر، وقال: «هكذا هو سوء التوزيع»، وفي هذا الإطار يقع قول أمير المؤمنين (ع): «فما جاع فقير إلا بما متع به غني...» (المتاع: السلعة أو المنفعة، ومتع به: انتفع به).

إن سوء توزيع ثروات البلد ودخله يقود لحالة تدفع قلة من أفراد المجتمع لصرف المبالغ الطائلة على تذاكر ألعاب الكبار ووسائل الترف والتي قد تصل التذكرة الواحدة لأكثر من ألف دينار، بينما يتلظى آخرون لشدة النقص في حاجاتهم الأساسية، فيتخطى بعضهم العقد الرابع من عمره، ولم يتمكن من تملك بيت صغير، فضلا عن شحة توّفر وسائل المتعة والترفيه ذات الرسوم المعقولة لعموم الشعب.

وفي ظل التوّجه الاقتصادي الحالي وتبني الليبرالية الاقتصادية الجديدة التي تعني اقتصاد السوق الحر في صورته المطلقة القديمة التي عادت الدعوة لها بعد أن تم هجرانها منذ أمد بعيد، فإن التفاوت سيزداد حدّة، وهذا ليس سرّا، بل هذا ما يبشر به دعاتها.

وموقف المسئولين أخيرا من الارتفاع الصاروخي في أسعار السلع الغذائية نذير شؤم في هذا النطاق، فقد برر بعض المسئولين عدم تدخل الحكومة في مشكلة الأسعار، لأنها تبنت اقتصاد السوق الحر الذي يمنعها من التدخل، ويوجب عليها ترك السوق تتحرك بشكل تلقائي.

مثل هذا الفهم لاقتصاد السوق يوجب فتح حوار وطني يتم التوافق على مثل هذه الخطوات الخطيرة، فاقتصاد السوق الحر ليس أبيض أو أسود كما يتصور هؤلاء، وهو ليس سياسة إنمائية مؤقتة، بل هو نظام اقتصادي قائم بذاته، ومرّ بمراحل تجريبية أثبت من خلالها أنه غير قادر في صورته القديمة على التصليح التلقائي لأخطاء السوق من دون تدخل بدرجة ما من قبل الدولة.

لهذا ظلت الدول الرأسمالية تتدخل إلى يومنا هذا، فالدولة تجبي الضرائب الكبيرة، وتعيد بذلك توزيع ثمار التنمية عن طريق تقديم خدمات صحية وتعليمية راقية لعموم الشعب، وتوفر له ضمانا اجتماعيا، وتحمي منتجاتها المحلية والعمالة الوطنية بمختلف الأساليب. ومازالت الدول الرأسمالية تتدخل بدعم المزارعين بمبالغ طائلة من أجل إبقائهم في مزارعهم يرفدون السوق المحلية بالغذاء بأسعار في متناول عموم الشعب، وأيضا يحمون بذلك منتجاتهم من منافسة منتجات الدول الأخرى ذات الأثمان الرخيصة.

تبرير عدم تدخل الحكومة في مسألة التلاعب بالأسعار تحت دعوى تبني اقتصاد السوق الحر، يستدعي إعادة النظر والتوافق الوطني في فهم هذا النظام الاقتصادي حتى نأخذ منه ما يلاءم ظروفنا الحالية والتدرج في التجربة، فلا يصح ترك الشعب لقلة من التجار ممن يمتلكون استيراد المواد الأساسية التي يحتاجها الناس تحت دعوى اقتصاد السوق الحر، بينما في حال الحديث عن الديمقراطيات العريقة كما بشّر الميثاق، يُقال لكل بلد ظروفه وعاداته وتقاليده، وإن الشعب مازال غير مهيأ لها. ثم ألم يبقَ من خطوة لاستكمال شروط اقتصاد السوق الحر، سوى رفع الحكومة يدها عن مسألة الأسعار؟

أليس في يد الحكومة مجموعة من الشركات الإنتاجية، وهذا ما يتناقض مع اقتصاد السوق الحر... أليس الأولى إكمال الخطوات الكبيرة الأخرى قبل مفاجأة المواطنين بتخلي الحكومة عن ضبط الأسعار تحت دعوى تبني اقتصاد السوق الحر؟

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1990 - السبت 16 فبراير 2008م الموافق 08 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً