رحل الفقيد علي بن يوسف فخرو - رحمه الله - ولاشك في أن موته ترك مساحة كبيرة من الحزن في النفس ولوعة في القلب. غير أن العزاء لنا من فقده هو ذلكم السجل الحافل الذي ترتاح النفس إذا ذكرته، وهذه من نعم الله عليه - رحمه الله - فالإنسان ما له إلا ما قدم، وإذا دخل إلى المقبرة وهو محمول على الأكتاف دخل معه ثلاثة أهله وماله وعمله فيرجع اثنان، وهما أهله وماله ويبقى معه في قبره عمله فقط!، ولعمري فإن أعمال الفقيد الإنسانية والخيرية يشار لها بالبنان. ظل الفقيد - يرحمه الله - حريصا كل الحرص على معالجة جميع القضايا التي تشغل مجتمع رجال وسيدات الأعمال في البحرين فكانت سنوات عمله متواصلة تميز بعطاء دائم وعزيمة لا تلين فقد كان محورا رئيسا وفاعلا في جميع المؤتمرات والندوات وزيارات الوفود واللقاءات التي شهدتها الساحة الاقتصادية حينها. وضع الفقيد - يرحمه الله - لنفسه مبادئ حياتية بسيطة وصفها بأنها «مبادئ حياتية بسيطة لكنها تريحني… الإخلاص في العمل، الصدق مع النفس ومع الآخرين، ويضيف «الصدق مكلف ولكنه يأتي بنتائج جيدة»، النزاهة والشفافية، هي أهم الجوانب الأخلاقية لسلوكيات الفرد.
انتخب الفقيد - يرحمه الله ـ لرئاسة غرفة تجارة وصناعة البحرين للدورة الثالثة على التوالي (الدورة الثانية والعشرين 16 يونيو/ حزيران 1989م - الدورة الثالثة والعشرين 16 يونيو 1993م - الدورة الرابعة والعشرين 22 أكتوبر/ تشرين الأول 1997م)، وتعد غرفة تجارة وصناعة البحرين أول غرفة تجارية في منطقة الخليج العربي. كما تقلد أيضا منصب رئيس اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي خلال هذه الفترات وكانت له الكثير من المواقف الثابتة حيال الكثير من القضايا الخليجية المشتركة تمثلت بتسليمه مذكرة إلى أمير الكويت رئيس دور مجلس التعاون الخليجي حيال الأوضاع والمسائل الاقتصادية الجارية.
وقد كانت له اليد الطولى فيما تحقق لهذه المؤسسة العريقة من مكانة متميزة ودور نشط وفاعل في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية، كما أسهم بشكل رئيسي في دفع مسيرتها نحو التطور ومساهماتها في مختلف أوجه التنمية في البلاد بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية.
وضع الفقيد منذ توليه رئاسة الغرفة خططا وبرامج متجددة وطموحة تخدم في المقام الأول القطاع الخاص والاقتصاد الوطني البحريني بما تطرحه من فعاليات وأنشطة، ولم يتوانَ على رغم مسئولياته واهتماماته المتعددة وبرامجه المزدحمة عن تكريس جل وقته وجهده لمتابعة تنفيذ هذه الخطط والبرامج. كما حرص على توثيق علاقات الغرفة مع مختلف الجهات والمؤسسات العامة والخاصة على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية وقد نجح فعلا في الوصول بالغرفة إلى المكانة الرفيعة التي تحتلها حالياَ، وأن يكون لها هذا الصوت المسموع والدور الإيجابي في المجتمع التجاري.
أسهم الفقيد خلال فترة رئاسته لغرفة تجارة وصناعة البحرين وبشكل كبير في دعم ومساندة جهود الدولة وبرامجها للترويج والتسويق لدولة البحرين في المحافل الإقليمية والدولية والترويج لفرص وإمكانيات الاستثمار واستقطاب الاستثمارات وتبيان التطور الاقتصادي الذي تشهده البلاد، وتدعيم مركزها المالي والتجاري إقليميا وعربيا وعالميا والتعريف بالحوافز والتسهيلات التي تمنحها البحرين للمستثمرين، وذلك من خلال تفعيل وتطوير دور الغرفة في مجال زيارات الوفود التجارية، وتنظيم الأسابيع الإعلامية عن دولة البحرين في الخارج وقد أسهمت هذه الفعاليات بشكل كبير في التعريف بالصناعات الوطنية وفي تنمية صادراتها إلى الخارج، والتعريف بفرص وإمكانيات الاستثمار في البحرين.
إلى جانب شغله منصب رئيس مجلس إدارة شركة علي بن يوسف فخرو وأولاده، رئيس مجلس إدارة شركة محمد فخرو وإخوانه، رئيس مجلس إدارة شركة البحرين لمطاحن الدقيق، رئيس مجلس إدارة شركة البحرين للسينما وتوزيع الأفلام، رئيس مجلس إدارة الشركة البحرينية الكويتية للتأمين، نائب رئيس مجلس إدارة شركة اتحاد الخليج للتأمين، عضو مجلس إدارة شركة اتحاد الخليج للتأمين السعودية.
كما تولى الفقيد ـ يرحمه الله ـ أيضا مسئوليات في عدد من اللجان الوطنية، بالإضافة إلى رئاسته الفخرية وكذلك عضويته لمجالس إدارة عدد من الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والخيرية، الأندية الأهلية، ومنها رئاسة جمعية أصدقاء مرضى الكلى.
يعد ـ يرحمه الله ـ من الشخصيات البارزة في المجتمع التجاري والاقتصادي البحريني، عمل في هذا الميدان منذ أكثر من خمسين عاما، تكونت له تجارب عريضة ومتنوعة، أسهمت في طرح ومعالجة الكثير من القضايا ليس فقط التي تمس القطاع الخاص البحريني وحسب، بل التي تمس المجتمع الخليجي عموما.
للفقيد آراؤه الجريئة والصريحة في تناوله للكثير من المسائل التجارية والاقتصادية، وغيرته وحرصه التام على مسيرة التعاون الاقتصادي الخليجي والعربي عموما ومستقبل النشاط الاقتصادي في البحرين خصوصا.
لم يبخل يوما بتقديم آرائه وخلاصة تجاربه وخبراته خلال مشاركاته في رئاسة الغرفة ومساهماته الفاعلة في أعمال اللجان التي تشكلها غرفة تجارة وصناعة البحرين أو تلك المشتركة بين الغرفة ووزارات الدولة أو اللجان الخاصة التي تشكل من قبل الحكومة لمعالجة بعض القضايا المهمة أو التشريعات والقوانين ذات العلاقة، وله مبادراته الريادية في التوجيه للأساليب الجادة في التعامل مع بعض الظواهر واقتراح الحلول للكثير من المسائل التي تهم الشارع التجاري. ولعل آخرها مبادرته وتبنيه لمشروع عقد ملتقى خليجي يبحث في مستقبل العمل التجاري في المنطقة في ضوء العولمة.
فقد طرح الفقيد دعوة بالإسراع في بحث مستقبل العمل الاقتصادي في المنطقة في ظل التحولات الاقتصادية العميقة الجارية تحت مظلة العولمة، وما أفرزته من تحديات تفرض على القطاع الخاص أن يكون شريكا فاعلا لا غنى عنه للقطاع الحكومي في تحريك عجلة الاقتصاد نحو النماء والتطور والتكامل الإقليمي والعربي لمواجهة تلك التحديات.
واقترنت دعوته هذه بتبنيه مشروع عقد ملتقى اقتصادي خليجي للنظر في كيفية مواجهة التحديات المستقبلية التي تواجه دول المنطقة والناجمة عن تيارات وتوجهات العولمة.
ويرى علي فخرو ـ يرحمه الله ـ أن العولمة هي معركة خطيرة دخلتها دول المنطقة من دون سلاح أو تكافؤ، وأنها تمثل تحديا خطيرا جدا سيؤثر على سير عمل القطاعات التجارية والاقتصادية في المنطقة، ويرى أن هذه القطاعات غير مهيأة كما يجب للتعامل مع الشروط والظروف الضاغطة للعولمة التي وصفها في أكثر من مناسبة بـ «الملعنة»، وأطلق علي بن يوسف فخرو تحذيرات واضحة من مغبة وقوع تلك القطاعات في براثن تروس العولمة، مجددا بأن تحقيق أقصى قدر من التعاون والتنسيق الخليجي في مجال العمل الاقتصادي المشترك وتحقيق نقلة نوعية في مسار هذا العمل وصولا إلى السوق الخليجية الواحدة كفيل بأن يخفف من الآثار السلبية للعولمة.
وظل الفقيد ـ يرحمه الله ـ طيلة حياته يؤكد أهمية التكامل والاندماج الاقتصادي الخليجي بالنسبة لدول مجلس التعاون التي تعيش على مورد ناضب وهو النفط، وأن الأحرى بالإدارة السياسية في هذه الدول أن تفسح المجال بشكل أكبر للقطاع الخاص الخليجي لتحقيق حلمه في التكامل والسوق المشتركة، وإتاحة المجال أمامه لإقامة المشروعات المشتركة لتحقيق ذلك الهدف، ونوه دوما بأهمية تعزيز دور هذا القطاع في تحاوراته مع المجموعات والدول ذات الثقل الاقتصادي العالمي.
وتعزيزا لما عرف عن الفقيد من اهتمام بالقضايا القومية واستعداده لدعم أنشطة العمل العربي المشترك، وتقديرا واعترافا بالتزامه وحرصه الشديدين على دعم القضايا العربية، فقد وجهت له الدعوة من قبل الأمين العام لجامعة الدول العربية «بيت العرب» للمشاركة مع نخبة من الفعاليات العربية في اجتماع لبحث تأسيس «المجلس العربي لتعزيز العمل العربي المشترك» تحت رعاية جامعة الدول العربية كهيئة عربية أهلية، لتمكين الجهود العربية غير الحكومية من المساهمة في تعزيز مكانة الجامعة العربية وتنشيط دورها تحقيقا لرسالتها القومية وفتحا للأفاق الواسعة أمام المجتمع الاقتصادي العربي لأداء دور فاعل في تعزيز العمل العربي المشترك. وكانت له جهود طيبة في إبراز هذا المجلس إلى حيز الوجود وتقديرا لهذه الجهود تم تسميته كأول رئيس لهذا المجلس.
إقرأ أيضا لـ "عبدالرحيم حسن نقي"العدد 1990 - السبت 16 فبراير 2008م الموافق 08 صفر 1429هـ