العدد 199 - الأحد 23 مارس 2003م الموافق 19 محرم 1424هـ

ماذا بعد تدمير العراق؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إلى جانب الحرب العدوانية التي تشنها الولايات المتحدة (مدعومة من بريطانيا) على العراق هناك معركة دبلوماسية كبرى تحصل في أكثر من مكان وعنوانها العريض: ماذا بعد تدمير العراق؟

قائد القوات الأميركية في مسرح العمليات تومي فرانكس حدد في مؤتمر صحافي سبع نقاط للحرب على العراق وجاءت في إطار أولويات لا صلة لها بالذرائع التي طرحتها إدارة واشنطن لجرِّ العالم إلى تأييدها. برنامج الأولويات للأهداف السياسية الأميركية وضع مسألة إسقاط النظام العراقي في طليعة النقاط السبع، وجاءت مسألة إزالة «أسلحة الدمار الشامل» في المرتبة الثانية، وقفز موضوع الإرهاب ليحتل المركز الثالث فذكر أن الهدف الثالث للعمليات الحربية هو طرد الإرهابيين من بغداد وتفكيك شبكات الإرهاب وملاحقتها.

هذه النقاط الثلاث هي برنامج أميركا في أولويات حربها. النظام أولا، السلاح ثانيا، الإرهاب ثالثا. وبعد ذلك تأتي الديمقراطية وإعادة الإعمار والنفط وغيرها من «ترهات» يعرف الغبي والذكي أنها مجرد «ذر الرماد في العيون» حتى تحجب الرؤية وتضيع على الناس الأهداف الحقيقية للحرب العدوانية.

إسقاط النظام مثلا مسألة لم تذكر في القرار 1441. فالقرار المذكور الذي وافقت عليه دول مجلس الأمن بالإجماع وثم وافق عليه العراق بعد صدوره لم يأتِ على هذه المسألة (تغيير النظام) لا من بعيد ولا من قريب.

إزالة «أسلحة الدمار الشامل» مسألة جاءت مشروطة بمهمات بعثات التفتيش الدولية والنتائج التي تتوصل إليها في تقاريرها المرفوعة إلى مجلس الأمن. والتقارير التي رفعها كبير المفتشين هانز بليكس عن السلاح الكيماوي والبيولوجي إضافة إلى تقارير محمد البرادعي عن السلاح النووي أكدت كلها في اللقاءات الدولية الثلاثة عدم وجودها أو على الأقل عدم توصل فرق التفتيش إلى إثبات وجودها. وطالب المفتشون في تقاريرهم بزيادة عددهم وتوسيع صلاحياتهم وتمديد المهلة الزمنية حتى يتم التأكد من صحة ادعاءات مخابرات واشنطن ولندن. فالإزالة إذن كانت مشروطة بالبحث والمعلومات المؤكدة وليس مجرد فرضيات منقولة بالتواتر عن أجهزة استخبارات تعتمد على شائعات وأقاويل وتكهنات.

مسألة الإرهاب لم ترد بدورها لا من قريب ولا من بعيد في القرار الدولي 1441. والدول التي وافقت على صدور القرار بالإجماع لم تلحظ وجود مثل هذه الإشارة التي هي أيضا مجرد إضافات تعتمد على تخمينات الاستخبارات ومعلومات تم تجميعها من مصادر متفرقة ومجهولة لا يعتمد على أخبارها كوثائق مؤكدة تبرر قتل مئات الألوف من السكان.

إذن بدأت الحرب بالضد من العالم واستنادا إلى قرار دولي لا يعطي ذريعة للعدوان. وحين انطلق العدوان على العراق تغيرت الأولويات وتبدلت الأهداف بالضد من القرار 1441. الولايات المتحدة (مدعومة من بريطانيا) اتهمت العراق بمخالفة القرار الدولي (إخفاء سلاح الدمار الشامل) وبدأت حربها استنادا إليه، وحين باشرت عدوانها عدلت أهدافها وخالفت بدورها القرار الذي تذرعت به للهجوم العسكري.

الهدف إذن إسقاط النظام ولن تقبل الولايات المتحدة بأقل من الانتصار العسكري على العراق. والهدف الثاني إزالة أسلحة الدمار الشامل وحتى الآن تقول القوات المهاجمة إنها لم تعثر على ذاك السلاح الذي تذرعت به للعدوان. والهدف الثالث وهو الأهم هو ملاحقة شبكات الإرهاب. هذه النقطة خطيرة جدا لأنها تفتح باب التصفيات الأهلية وتدفع القوات إلى ارتكاب المجازر ضد المدنيين بذريعة تفكيك شبكات الإرهاب وملاحقتها. وبعد تصفيتها في الداخل تبدأ القوات الأميركية بتوسيع ملاحقاتها خارج دائرة العراق بذريعة أن بعض تلك «الشبكات» نجح في الإفلات من قبضة الأمن ولجأ إلى دول مجاورة قد تكون إيران أو تركيا (التي توترت علاقتها مع واشنطن)، أو سورية... وربما الأردن والسعودية.

الهدف الثالث خطير للغاية، فهو يفتح باب امتداد الحرب وتوسيع دائرتها في حال نجحت الولايات المتحدة في تثبيت مواقعها السياسية في العراق مستفيدة من ثرواته النفطية والمالية... وهذا الهدف هو الجديد في برنامج أولويات فرانكس ويتوقع أن يحتل المرتبة الأولى بعد شهر من تصفية النظام العراقي وإزالة أسلحة الدمار الشامل (إذا وجدت). فحين يتحقق الهدف الأول ويحذف النظام من جدول الأولويات يأتي بعده الهدف الثاني ويحذف أيضا من الجدول ليصبح موضوع الإرهاب هو الأول ويتحول إلى «مسمار جحا» تتذرع به واشنطن لتبرير حروبها المقبلة. وتحت شعار ملاحقة وتفكيك شبكات الإرهاب يبدأ مشروع تفكيك دول الجوار.

هذا البرنامج الجديد للحرب على العراق أثار سلسلة مخاوف دولية. كوريا الشمالية قالت إنها مستعدة لضربة أميركية وهي على أهبة الاستعداد لحرق المنطقة المحيطة بها. إيران تخوفت من تلك الإشارات السيئة المتعلقة بالنشاط العسكري على حدودها (الفاو ـ البصرة) واختراق مجالها الجوي والأرضي أكثر من مرة في ثلاثة أيام. تركيا أيضا خائفة من انتقام أميركا بعد انتهاء الحرب واستخدام شمال العراق مركزا للنشاط المعادي لها في منطقة حدودها الجنوبية.

هذه المخاوف الإقليمية انتقلت أيضا إلى روسيا حين حذر رئيسها (فلاديمير بوتين) من انتقال الحرب إلى تركيا وتوسعها في دائرة العراق الإقليمية. وفي المعنى نفسه رفض المستشار الألماني (شرودر) فكرة توسيع الحرب وحذر من مخاطرها الدولية. كذلك كرر الرئيس الفرنسي (شيراك) الكلام نفسه، معربا عن تمسكه بالشرعية الدولية ورفض باريس قبول الأمر الواقع الذي ستنتج عنه التطورات العسكرية في العراق. فالدول الكبرى لاتزال تعتبر أن الحرب غير شرعية ونجاح العدوان عسكريا لا يعطيه صفة قانونية.

إذن نحن أمام حروب جديدة والعراق بدايتها. والمعركة الدبلوماسية الآن هي بين أميركا والدول الكبرى وعنوانها العريض: ماذا بعد تدمير العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 199 - الأحد 23 مارس 2003م الموافق 19 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً