لأنها نائبة وحيدة بين 39 نائبا رجلا في البرلمان البحريني، تعاني النائبة لطيفة القعود من ضغط مضاعف، أكثر مرتين أو ثلاث من الضغوط التي يعانيها غيرها من النواب الرجال. فعلاوة على ضغط الشارع وضغط الحكومة وضغط التكتلات في مجلس النواب – والتي يعاني منها الجميع- تعاني القعود من ضغوط أخرى، بين من يطالبها بأن تكون نصيرة المرأة، ومن يقيم أدائها لتصيد أي إخفاق لتعميمه على جنس «المرأة» برمته كما جرت العادة، وصولا إلى محاولة تقييم أي قرار سياسي تتخذه داخل المجلس بناء على الأجندة الحكومية، على اعتبار أنها وصلت إلى المجلس ممثلة عن دائرة صغيرة «لا قيمة لها» كما يرى الكثيرون،ودخلته بالتزكية بعد انسحاب منافسيها، وهو أمر آخر تردد أنه تم بتدخل حكومي لدعمها للفوز بالتزكية.
كل ذلك كان في الماضي، فلطيفة القعود اليوم نائبة في البرلمان منذ دور انعقاده الثاني، تعمل مع زملائها الرجال الذين أشاد كثير منهم « سرا أو علانية» بمستواها وجديتها في العمل. والحق يقال ان لطيفة، حتى لو لم يتفق كثيرون مع مواقفها السياسية أو طريقتها في العمل، أثبتت بعد أكثر من عام على عملها كنائبة في البرلمان كفاءة عالية تفوقت بها على كثيرين من النواب الرجال.
على رغم «حزنها» الذي عبرت عنه في أكثر من مناسبة لما شاهدته خلف كواليس البرلمان من عمل كل كتلة لتحقيق مكاسب سياسية، بعيدا عن تحقيق مكاسب مشتركة تفيد الوطن، حرصت لطيفة على أن يكون «القليل» الذي تقدمه في المجلس نوعيا ومختلفا، وليست هذه مجاملة لها، بل أن مراقبة موضوعية لعملها وطريقة أدائها في البرلمان تدعو لهذه الإشادة.
لطيفة قدمت الأسبوع الماضي سؤالا لوزير العدل، أعجزته فيه عن الرد، وكشفت من خلاله « فضيحة فساد أخرى» لا يعلم إلا الله تعالى مداها، ونتمنى أن تتمسك بخيوط هذا الملف حتى تكشفه. كان سؤالها بسيطا، ولكنه بعيد النظر جدا، «لجنة المساعدات الإنسانية»- المسماة سابقا بلجنة دعم المجهود الحربي والتي تأسست منذ السبعينيات- التابعة لوزارته، ما هي الاستقطاعات التي تغذيها، وأين تصرف، وكيف، وكم وصلت الأموال التي تجمعت فيها؟
بين دوامة «الأصفار» التي دوخته أعطى وزير العدل ردا اشتمل على مبلغ خرافي، يعادل نصف ميزانية البحرين كاملة كمخزون في صندوق هذه اللجنة، لكنه تراجع عن ذلك ليقول ان المبلغ هو نصف مليون دينار، والأمر بحاجة لكثير من التأكد من وزير كان يحرص على استخدام الفاصلة والنقطة في ردوده. كشفت لنا لطيفة أن الاستقطاعات سارية منذ نحو 35 عاما على كل شيء، البنزين، تذاكر السينما، طوابع البريد، بنسب بسيطة جدا، ولكن مع تراكمها عبر السنين جمعت مبالغ ضخمة، أما الجهات التي توجه لها هذه المساعدات، فهي طامة أخرى، لأنها تدعم جهات خاصة بعينها، ووزارات بعينها، ولا تحديد لمعايير منح هذا الدعم، ناهيك عن تلك المساعدات التي توجه للخارج من أريتريا إلى جزر الواق واق.
تقول لطيفة انها لا تسأل الوزراء كثيرا، لكنها عندما توجه سؤالا، فلا بد أن يكون في العمق، ولابد أن تكشف من خلاله شيئا مهما ومختلفا، ولا بد أن تعمل كثيرا من أجله. كل ما قالته واضح وجلي في سؤالها الأخير، مثلما كان واضحا في السؤال الذي وجهته في الفصل التشريعي الأول عن مياه الصرف الصحي في خليج توبلي، والذي كشفت من خلاله فضيحة أخرى لا يزال يتردد صداها حتى اليوم عبر ملفات معقدة.
نحتاج إلى هذا النوع من العمل النوعي داخل البرلمان، فحتى لو اشتكى النواب من ضغط الحكومة السياسي عليهم، يمكنهم إحراجها بطريقة بسيطة وقوية وذكية و « لطيفة» كطريقة « لطيفة»!
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1989 - الجمعة 15 فبراير 2008م الموافق 07 صفر 1429هـ