استكمالا للمقال السابق الذي تناولت فيه تجربة وزيرة التربية والتعليم نورية الصبيح، وأسباب تصدرها لأن تكون تجربة يحتذى بها، ودرسا من الدروس التي تستحق الوقوف عندها، أستعرض في المقال الحالي الدرس الثاني وبالأحرى الأول وهي تجربة وزيرة الصحة السابقة معصومة المبارك.
من خلال قراءة تجاربهن يتضح أنه وللأسف الشديد لم يستفد نواب مجلس الأمة الكويتي من الدرس السابق (الدرس الأول) التي لقنتهم إياه الوزيرة السابقة المبارك، التي قدمت استقالتها إثر حريق شب في مستشفى الجهراء، والتي قررت تقديم استقالتها بعد أن عرفت أن هناك من مات قبل أن تعرف أسباب الموت وقبل أن تتطلع على تقرير الوفاة قدمت استقالتها وأصرت عليها بعدها عرفت أن أسباب الوفاة تعود لأسباب أخرى غير الحريق الذي اتخذ ذريعة يتذرع بها النواب لاستجواب الوزيرة حتى بعد قرار استقالتها. استقالة الوزيرة في هذا الظرف تحديدا وبهذا الشكل لم نعتدْ عليه فكان مشهدا يعبر عن إحساس إنساني كبير بالمسئولية وينسجم انسجاما أكبر مع أسباب الاستقالة ومع نوعية الوزارة التي تتقلد إدارتها.
رغبة الوزيرة بالاستقالة يعبر بالفعل ومن دون أي تعصب عن شعورها بالمسئولية التامة، كما عبرت عنه في رسالة استقالتها فكانت الاستقالة قرارا حكيما ويعبر عن شخصية محترمة تحترم نفسها وتحترم الموقف التي عليه. هكذا تعلمنا من المبارك ونفهمه من كل مواقفها الوطنية النبيلة ومن خلال مسكها لأكثر من وزارة وعلى رغم حداثة عهدها وقصر مدد مسكها الوزارات إلا أنها استطاعت أن تترك بصماتها على الكثير من الأمور وبشهادة الموضوعيين منهم وليس المتعصبين الذين لا يرون سوى السلبيات ويبحثون عنها في كل مكان فهم المتصيدون غير العقلانيين.
استقالة المبارك لا يمكن أن تقبل كما يروق للبعض أن يترجمه ويفسره بسطحية بأنه هروب وضعف من الوزيرة وفكاك رقبتها من منصة الاستجواب الذي ينتظرها، فالوزيرة تعلم علم اليقين ومن اليوم الأول وفي جلسة القسم بأنها قادمة من دون شك إلى منصة الاستجواب، إذ إن النواب خانهم ذكاءهم وفطنتهم السياسية من اليوم الأول إذ أثاروا على الوزيرة بعض التساؤلات المتعلقة بملف العلاج بالخارج، قبل مسكها الوزارة والاطلاع على حيثيات الملف من قرب، اللهم ما تعرفه من الملف علمها بالمناوشات المفتوحة مع وزير الصحة السابق من خلال وجودها في التشكيلة الوزارية.
استقالة المبارك أيضا نموذج راقٍ يحتذى به، فكثيرا ما نتوقع أو نتمنى أحيانا استقالة وزراء سواء على الصعيد المحلي او الخارجي قد حملوا مسئولية وزارة من الوزارات الحساسة وفشلوا في تحقيق إنجازات معقولة ولم ينجحوا في أداء أدوارهم، ومع ذلك لا نجد هم الوزارة يحملونه على ظهرهم وتمنينا لو أنهم بالفعل ملكوا الشجاعة والجرأة في يوم من الأيام وقدموا استقالتهم لعجزهم وضعفهم وتقصيرهم عن أداء أهم مسئولياتهم وواجباتهم تجاه المواطنين، لكانوا أكثر احتراما، ومع ذلك لا نرى منهم سوى حديث الطرشان والقافلة تسير... في حين أن المبارك استطاعت من خلال استقالتها وموقفها أن ترسم لنا صورة إيجابية إحساسا منها بالمسئولية الوطنية لتبدأ مشوار الألف ميل ونتمنى من البقية الباقية أن تستفيد من الدرس أيما استفادة.
فمن تجربة الصبيح والمبارك نتعلم دروس الإحساس بالمسئولية والشجاعة والجرأة وكيفية احترام النفس، ونتمنى من الآخرين المعادين للمرأة أن يفهموا الدرس جيدا ذلك بأن المرأة بتقلدها منصبا قياديّا حساسا لا يمثل خطرا لا على نفسها ولا على مجتمعها، وعليهم أن يكونوا على ثقة وأمان تام بأن المرأة قد تكون أكثر حرصا من الرجل الذي لطالما وثقنا به ولم يكن على قدر المسئولية ومع ذلك نجدد العهد له لا لشيء، فقط لكونه رجلا، ويظل التشكيك في المرأة وفي قدراتها وإنجازاتها ومواقفها بغض النظر عما تقدمه وما تنجزه وتنفذه، على رغم أن لدينا بعض النماذج الراقية المحترمة.
من خلال المشهد السابق نرى أنه لا ذنب للوزيرتين الصبيح والمبارك ولغيرهن سوى أنهن يعشن في مجتمع ذكوري، فهن على كل حال غير مقدرين فقط لكونهن نساء، وعليهن إذا ما تقلدن منصبا قياديّا مهما أن يتحدين بعض الأعراف المتخلفة الموجودة في مجتمعاتنا التي تظلمهن وتحجمن من أدوارهن؛ لتصحيح بعض المفاهيم المجتمعية المعيقة لموقعهن، وعليهن أن يقدمن مواقف أكثر وطنية ونموذجية أكثر إشراقا لضمان بقائهن على السطح، ولنا أن نتعلم من درس الصبيح ودرس المبارك والجميع مدعوون للاستفادة من الدرس.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1987 - الأربعاء 13 فبراير 2008م الموافق 05 صفر 1429هـ