يبدي البعض امتعاضهم واعتراضهم من أية قراءة للساحة السياسية في البحرين تكون من منظور طائفي أو عرقي، بمعنى الكتابة في الدفاع عن حق الطائفة أو العرق، وخصوصا فيما يتعلق بالمناصب العليا والتوزير والتوظيف في وزارات ودواوين الدولة، وهذا الاعتراض والامتعاض يبدو وجيها بالتوازي مع محاولات أي مجتمع الوصول لمفهوم الدولة المدنية التي تضمن لأفرادها جميعا كل حقوق المواطنة. لكن، لا يبدو لي أن الساسة والصحافيين والناس جميعا، كانوا من اختار هذا الفرز الطائفي والعرقي ومن أسس له وعمل به، لذلك، لا يبدو من الوجاهة والعقل أن نحاكم الناس على ما أُلزِموا به من جهة، وليس من الوجاهة والتعقل أيضا، أن ندعو الناس في مجتمع ما إلى القبول بأمراض مؤسساتهم على اعتبار أنهم أصحاء.
لا يمكن لأحد، أن يطلب من طائفة ما، ألا يتراودها الشك والتشكيك والخوف من انحسار مقاعدها الوزارية والتمثيلية في أجهزة الدولة وقد كانت الدولة نفسها من أقرت وأسست لهذه المحاصصة الطائفية، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى أي من العرقيات التي يتكون منها هذا المجتمع. وعليه، لا يحق لأحد، أن يشكك في أحقية هذه الطائفة في المشاركة السياسية من باب المعادلة السياسية القائمة أولا، ومن باب التشارك في الدولة المدنية ثانيا. وعليه، تكون الدولة وحدها، هي المسئولة عن توضيح السبب في هذا التهميش والإقصاء وليس الناس.
الدولة التي لا ترتكز في مقاييسها على معايير الحكم الصالح، ولا تلتزم بما وقعت عليه من معاهدات واتفاقيات دولية تلزم الارتكاز لتساوي الفرص بين مواطنيها من دون تمييز عرقي أو طائفي، هي الدولة المسئولة عن قياس مسرحها السياسي وفق المسطرة الطائفية وليس الناس. وعليه، لا يبدو الحديث عن حقوق الطائفة ونسبها التمثيلية في الحكم إلا حقا سياسيا أصيلا ينبثق من توافق الحكم نفسه وليس بدعة أو اختراعا جديدا يستحق لبراءة اختراع أو تبرير.
سياسيات التمييز التي بدأت مع تشكل الدولة في بعض الأجهزة، كان لها ما يبررها وخصوصا فيما يرتبط ببعض القطاعات، إلا أن توسيع هذه القطاعات الممنوعة بما يصل لحدود القطاعات المدنية هو بمثابة الطريق نحو إنهاء هذه الطائفة وكبح جماح تطورها في البلد، وهذا ما يمكن القبول به. وخصوصا أن أي متتبع لسلسلة التعيينات الإدارية الأخيرة في أجهزة الدولة يستطيع أن يلاحظ ملامح هذا التمييز الطائفي بوضوح، وهو ما لا يتفق مع ما أقرته مبادئ ميثاق العمل الوطني التي نصت في أكثر من موقع على مبدأ تساوي الفرص بين المواطنين.
أخيرا، تحتاج الدولة لإعادة النظر بجدية في التعيينات الإدارية الأخيرة أملا في إنهاء حالة القلق التي تتملك طائفة من طوائف الدولة، وهو ما يتصل بالتأكيد على أن الدولة تسير في مشروع ديمقراطي يضمن تساوي الناس، لا مشروع دولة تعزيز مواقع طائفة، وكسر كراسي الأخرى.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1986 - الثلثاء 12 فبراير 2008م الموافق 04 صفر 1429هـ