هل هبط الدولار أم صعد اليورو؟ ذلك - من غير ريب - هو الشيء نفسه الذي يتم النظر إليه من جوانبَ مختلفةٍ. ولكنْ قد يتم في أحيان كثيرة جدا النظر إلى الموضوع من مجرد جانب واحد. فعند النظر إلى عملة الدولار الأميركي وحدها فسيلقي الكثيرون من الخبراء الاقتصاديين اللوم على بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بخصوص خفض أسعار الفوائد. بَيْد أن عندما يتم النظر من الجانب الآخر، فقد يتساءل المرء: لماذا لم تقم بنوك مركزية أخرى بخفض أسعار فوائدها؟
لا تعتبر العملة الصاعدة بحكم الضرورة علامة تشير إلى وجود قوة اقتصادية. فقبل الكساد الاقتصادي الذي حدث في العام 2001 وأثنائه، قام الدولار الأميركي بالصعود بشكل حاد. وبدءا من شهر مارس/ آذار 2000 ولغاية يناير/ كانون الثاني 2002، كان المؤشر التجاري المرجح لقيمة الدولار مقابل 26 عملة قد صعد بنسبة وصلت إلى 10.5 في المئة، على حين كانت سوق الأسهم والاقتصاد في حالة تعثر.
وفي الرسم البياني الذي تم عرضه في صحيفة «الإيكونوميست»، في عدد 5 - 11 أغسطس/ آب 2007 تم إثبات أن «الدول التي كانت عملاتها قد كسبت الكثير (مقابل الدولار) هي اقتصادات ذات عملات أسعار فوائدها مرتفعة مثل تركيا والبرازيل ونيوزيلندا، أو أنها دول منتجة للسلع مثل كندا، أو مزيج من كليهما مثل أستراليا».
قد تقوم أسعار الفوائد المرتفعة بدعم عملة معينة لمدة وجيزة من خلال جذب «أموال هاربة» دولية. إلا أن أسعار الفوائد المرتفعة بإفراط - كتلك الموجودة في تركيا والبرازيل - تعتبر من الناحية النموذجية أحد أعراض السياسة النقدية المعرضة للتضخم التي تتطلب علاوة شديدة المخاطر.
وفي كندا، كان الصعود المذهل في الدولار الكندي قد ارتبط بشكل وثيق بأسعار النفط أكثر من ارتباطه بأسعار الفائدة على رغم أن بنك كندا قام فعلا برفع أسعار الفوائد في شهر يوليو/ تموز 2007، تماما قبل أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي تحريك أسعار الفائدة نحو الهبوط.
وفي الوقت الذي تكون أسعار النفط والذهب تحلق عاليا فسيكون بإمكان مصدري النفط والذهب - مثل كندا - أن يقايضوا سلعهم مقابل تكنولوجيا وخدمات أميركية إضافية. مثل هذه «الشروط التجارية» المحسّنة ستعمل على صعود الطلب العالمي بالنسبة إلى موجودات دول منتجة للسلع، ووفقا لذلك ستعمل على صعود عملاتها.
وبطريقة مماثلة تقوم عملات الدول المصدرة للسلع بالهبوط عندما تهبط أسعار تلك السلع. فعندما هبطت أسعار النفط في مطلع العام 1986، وفي نهاية العام 1998، وفي العام 2001، هبط الدولار الكندي بدرجة كبيرة، حتى إن كانت أسعار فائدة البنك المركزي السائدة في كندا أعلى منها في الولايات المتحدة!
ماذا عن اليورو؟ في الوقت الحالي تعتبر أسعار الفائدة التي قام البنك المركزي الأوروبي بتحديدها هي تقريبا نفسها كما في الولايات المتحدة. إلا أن ذلك يشكل أمرا جديدا تماما. وبعد شهر يونيو/ حزيران 2006 توقف بنك الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة، ولكن البنك المركزي الأوروبي استمر في دفع أسعار الفائدة نحو الصعود. ونتيجة لذلك ضاقت الفجوة بين أسعار الفائدة الأميركية والأوروبية في أول الأمر، ثم بعد ذلك اختفت لدى قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بالإراحة. وبشكل لا يبعث على الذهول قام اليورو بالصعود.
وقد عمل الصعود الأخير في اليورو على إشراك أعمال مراهنات على توقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيقوم قريبا بخفض أسعار الفائدة مرة أخرى، بل أيضا بألا يحذو البنك المركزي الأوروبي حذوه. ومع ذلك كان البنك المركزي الأوروبي على الدوام يقوم باتباع حركات أسعار فائدة بنك الاحتياطي الفيدرالي على رغم كونها حركات بطيئة تماما. ولم يقم البنك المركزي الأوروبي بالبدء بخفض أسعار الفائدة لغاية شهر مايو/ أيار 2001، أي بعد قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بذلك بخمسة أشهر. ولم يقم البنك المركزي الأوروبي بوضع أسعار فائدة فوق نسبة 2 في المئة لغاية ديسمبر/ كانون الأول 2005، أي بعد قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بذلك بسنة واحدة.
وفي الحوادث التي وقعت في الماضي بخصوص أسعار النفط المرتفعة في الأعوام 1974 و1980 و2000 قامت جميع البنوك المركزية الكبرى برفع أسعار فوائدها بشكل جماعي. وكان ذلك ينتهي على الدوام بحدوث كساد عالمي، يعقبه بشكل متأخر حدوث تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة. وبعد الارتفاع الحاد في النفط في الفترة الممتدة بين شهر أغسطس ونوفمبر/ تشرين الثاني 1990 عندما كان سعر الفائدة على أرصدة البنوك فوق 8 في المئة، أخفق البنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة بشكل كبير إلى ما بعد سنة واحدة من انتهاء الكساد.
يجب على أولئك الذين يطالبون بأسعار فائدة بنوك مركزية مرتفعة عند ارتفاع أسعار النفط أن يدركوا أن مثل تلك السياسات قد أدت في الماضي إلى أسعار فائدة تراوحت بين 1 في المئة و2 في المئة بعد سنتين أو ثلاث سنوات (وكانت على سبيل الجدال منخفضة جدا ومتأخرة جدا) من حدوث انتكاسات صناعية عالمية خفضت أسعار النفط تخفيضا شديدا.
وفي هذه المرة كان بنك الاحتياطي الفيدرالي السبّاقَ إلى التخلي عن توجه قديم واهن، وبشكل أحادي الجانب. وكان ذلك قد أثر بشكل واضح على أسعار الصرف. وعلى رغم ذلك، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن هناك بنوكا مركزية أخرى قامت باتباع مسار أكثر حكمة وعقلانية.
هناك جانبان لكل سعر صرف عملة. وربما قد حان الوقت بالنسبة إلى الجانب الآخر - بشكل بارز من جانب البنوك المركزية في أوروبا وكندا والمملكة المتحدة - كي تقوم بأخذ دورها في خفض أسعار فوائدها حتى إن قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بعدم المشاركة في ذلك.
إقرأ أيضا لـ "الن رينولدز"العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ