العدد 1979 - الثلثاء 05 فبراير 2008م الموافق 27 محرم 1429هـ

أيها الشيخان... لن يرضوا

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

في المقابلة الأخيرة مع «الوسط» (29-1-2008) صرّح الشيخ حسين النجاتي بعدم وجود توجّه لتطبيق نظرية ولاية الفقيه في البحرين، وفي خطبة الجمعة الماضية، أكّد الشيخ عيسى قاسم عدم وجود حتى مجرد تفكير في إقامة دولة الفقهاء في البحرين، ولم يطرح هذا الشعار أحد حتى في عزّ انتفاضة التسعينات ووحشية معاملة جهاز الأمن للمواطنين. إلاّ أن هذا التأكيد لن يجد صدى لدى البعض، لأنهم أصحاب أغراض خبيثة لا يعتاشون إلاّ على إثارة التوجسات بين مختلف الأطراف، ولا يقرّ لهم قرار إلا حين يرون المجتمع يهتزّ ويتماوج بأهله كما تتماوج السفينة في البحر الهائج.

في البلد مجموعة كبيرة من اتباع نظريات ورؤى وقواعد فكرية تختلف بدرجة أو أخرى مع النظام ومبادئه، فبجانب الوجود الأوفر للتيارين الإسلاميين الشيعي والسني؛ وبجانب نظرية الخلافة النبوية السنية وولاية الفقيه الشيعية، اليسار القوميون والبعثيون موجودون على الساحة، وكلّهم يدافعون عن أطروحاتهم الفكرية على المستوى النظري، والليبرالية لها أنصارها مع أنها في قواعدها الفكرية الأساسية مخالفة للنظام الاجتماعي القائم بشكل كبير. فالساحة فيها من يعتقد بنظرية سيطرة الطبقة العمالية، والليبرالي الذي يؤمن بالحرية الفردية المطلقة، ومبادئ تتناقض مع النمط الموجود وتختلف مع مكونات النظام الاجتماعي القائم بدرجة واسعة. ولا جدوى من مطالبة كلّ هذه الفئات بالتخلي عن معتقداتهم وإفرازات القواعد الفكرية التي ينطلقون منها، أو مطالبتهم بأن يجروا على نظرياتهم (القواعد الفكرية) تعديلات لتتوافق مع النظام القائم، لأن الأفكار لا يمكن نزعها من أدمغة معتنقيها مطلقا إلاّ بالإقناع الفكري المقابل، وفي الدول الغربية نموذج لمثل هذا التنوع الفكري، فهناك طوائف وفئات تتبنى نظريات تختلف عن النظام الاجتماعي والنظم السياسية والاقتصادية السائدة هناك، ولكن لا يطالبهم أحد بالتخلي عنها، أو تعديلها حتى تتماهى مع النظام القائم؛ فقط عليهم احترام ما توافقت عليه شرائح المجتمع، وألا يسعى أي طرف لفرض رؤاه على كل فئات المجتمع، أو محاولة تبديل نظامٍ تم التوافق عليه، أما أن نطالب الأفراد بالتخلي عن أفكارهم عنوة، فهذا من رابع المستحيلات.

ومع الصراحة التي تجلّت في موقفي الشيخين، وتأكيدهما على عدم وجود حتى مجرد توّجه لإقامة دولة الفقهاء، فلن يكتفي ذوو القلوب المريضة بمثل هذا الموقف، لأن هدفهم أبعد غورا مما نتصوره. فمع أنه من ضروب العبث المطالبة بإجراء التعديلات على نظرية إسلامية أو ليبرالية أو يسارية لتنسجم مع ما يرضي نظام الحكم، لأن الأفكار عبارة عن قناعات لا يمكن انتزاعها بالضغوط والارهاب الفكري. مع ذلك، لو افترضنا - وفرض المحال ليس بمحال - تخلّي من يؤمنون بنظرية ولاية الفقيه أو غيرها عنها، فإن لدى ذوي الأغراض الخبيثة مداخل أخرى للنيل من الفئة المستهدفة. فكما يعرف الجميع أن العقيدة بالمهدي المنقذ ووجوب نصرته والتسليم له، عقيدة يؤمن بها كل المسلمين مع اختلاف في بعض التفاصيل، إلاّ أن بعضهم كتب في وقت سابق، زعم بتناقض هذه العقيدة مع الولاء لنظام الحكم، وطالب الطائفة المستهدفة بالتخلي عن هذه العقيدة لازدواجية الولاء... ألم نقل أن الهدف أبعد غورا مما نتصوره؟ ومن أهم الأهداف من وراء هذه الإثارات التي تحمل ضغطا نفسيا، هو كما قال الشيخ عيسى، إثارة الغبار في طريق المطالب الوطنية العادلة، وتحميل هذه المطالب ما لا تحتمل من تأويلات سقيمة.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1979 - الثلثاء 05 فبراير 2008م الموافق 27 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً