العدد 1977 - الأحد 03 فبراير 2008م الموافق 25 محرم 1429هـ

شاهين البحرين... و«القراصنة»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لكبار السن مخزونٌ من التجارب، حتّى لو كانُوا من الأميين، فكيف إذا كان واحدا ممن عملوا في شركة النفط ودرسوا في بريطانيا في الخمسينيات، وعاد لينتج فيلما عن البحرين في نهاية الستينيات؟

خليفة شاهين كانت جدته تأخذه إلى السينما بالمحرّق فتدهشه مشاهد الطائرات والقتال، فبدأ يحلم بدخول هذا العالم السحري، ولكن أينَ وكيفَ... ونحن نتكلّم عن بحرين الأربعينيات ؟

صاحب إحدى شركات التصوير الشهيرة، بدأ حياته العملية في الثامنة، بالعمل مساعد غوّاص. ثم عمل نجّارا مع أبيه، وتخرّج من مدرسة «الصناعة»، ثم تقدّم خمس مرات للعمل في شركة النفط (بابكو)، ولكن طلبه كانْ يُرفض في كلّ مرة، فشحّة فرص العمل ليست جديدة. وأخيرا قُبل طلبه، وبعد عام عُيّن للعمل مكان أحد الموظفين لسفره، فلما عاد المسافر خُيّر شاهين للعمل في «الصيانة» أو الانتقال إلى «وحدة الأفلام»، فكانت فرصة العمر التي نزلت عليه من السماء.

في الوحدة الجديدة، التقى بنموذجين متناقضين من الأجانب: الأوّل كان يدفعه لئلا يتعلّم شيئا، بينما احتضنه الثاني وعلّمه أسس التصوير وسعى لابتعاثه إلى بريطانيا لثلاث سنوات؛ ليعود متسلّحا بالعلم والمعرفة، ويتسلّم مسئولية وحدة الأفلام في 1964.

في العام 1969، ابتعث لتصوير حرائق آبار النفط في رأس تنورة، وهناك التقى بالصدفة مخرجا أميركيا سبق أن زار البحرين قبل عشرين عاما (1949)، وأعجب بثرائها وغزارة تراثها ففكّر بإنتاج فيلم عنها، ضمن سلسلة أفلام «صبي من ...»، التي تنتجها شركة «والت ديزني»، وتحكي عن البلدان من خلال قصة صبي. ونقل شاهين الاقتراح إلى دائرة الإعلام، وأخذ المشروع طريقه للتنفيذ.

الأفلام الأخرى كانت تستغرق ساعة واحدة مع الفواصل الإعلانية، أمّا فيلمه «حمد والقراصنة» فاستغرق ساعتين، إذ سجّل مشاهد ستبقى خالدة في الذاكرة، من البحرين و»الفرضة» (المرفأ المالي حاليا)، وأزقة دبي التي لن تصدّق أنها كانت على مثل هذا الصغر والضيق، فضلا عن قافلة الجمال تقطع صحراء الربع الخالي.

الفيلم يوثّق لتجارة الغوص التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، إذ تهب عاصفة شديدة فيغرق المركب، ويسقط الصبي حمد بأيدي القراصنة، وينجح في الهرب ويلجأ إلى إحدى جزر حوار، (على أنها دبي)، ولكن ينتقل الفيلم إلى دبي فعلا لتصوير محاولته الرجوع مع قافلة عائدة للبحرين. وعندما يعود للجزيرة، يحاول مع أحد أقاربه إنقاذ صناديق الآثار التي سرقها القراصنة من قرية باربار، واضطروا لإنزالها في البحر هربا من ملاحقة الشرطة. ويتزامن وصوله مع عودة القراصنة العائدين لانتشال صناديق الآثار، وتحدث المطاردة وتبدأ الشرطة بقصف السفينة وأسر القراصنة وإنقاذ الكنز.

شاهين لم يكن يكفيه راتبه، فكان يعمل إضافيا في المساء بعرض أفلام وثائقية وكارتونية خلال زياراته للقرى بسيارته الـ (فان).

«الوسط» احتفلت بـ «شاهين البحرين»، إذ جلسنا نستمع إلى تجربته الغنية بالدروس والعبر ساعة ونصف الساعة، ثم قضينا ساعتين ممتعتين في مشاهدة «حمد والقراصنة». واعترف شاهين - ربما للمرة الأولى- بأنّ بعض اللقطات التي صوّرت للبحر كانت في عين عذاري! وإن إحدى سمكتي القرش التي تعرُض للصبي كانت ميتة، وهي من الحيل السينمائية المشروعة طبعا!

تجربةٌ غنية، ما أحوج جيلنا والجيل الجديد لاستلهام عبرها من حياة العصاميين والمبدعين الكبار!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1977 - الأحد 03 فبراير 2008م الموافق 25 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً