إن أكثر ما يؤلمنا جميعا هو ما نشاهده من مظاهر الطائفية البغيضة التي اخذت تنتشر بأشكال مختلفة ووفق وسائل متعددة في البلاد. وعلى رغم أن الاسلام هو اعظم الاديان السماوية واكثرها تسامحا ورحمة، فإننا نرى خروج البعض على هذه القيم السمحاء ومحاولة زرع الفتنة الطائفية بأي شكل من الاشكال.
إن النَفَس الطائفي يلحظه المرء بشكل سافر في بعض الاعمدة التي تنشرها صحافتنا المحلية، وكان من المفترض أن تكون الاعمدة اصلاحية تدعو إلى التقدم والتطور وازدهار الوطن وتحث على الوحدة والتآلف ونبذ كل اسباب الفرقة.
لقد بات الكل مستغربا من كثرة الطرح الطائفي في صحافتنا المحلية، أما بشكل مباشر أو بشكل الإيماءات والإشارات. لماذا لا تتحول تلك الأقلام إلى أقلام خير ومنفعة للمواطنين وخصوصا أن الدين الإسلامي يجمعنا، والقرآن يوحدنا، والإيمان بالله يعصمنا، واقتفاء تعاليم المصطفى (ص) نجاة لنا في الدنيا والآخرة.
وإذا كنا نعتب على صحافتنا المحلية، فعتبنا أيضا على مجلس النواب، وجميعهم اخوة أعزاء، نحترمهم ونقدرهم وخصوصا أنهم جاءوا إلى قبة البرلمان بتخويل شعبي وعبر انتخابات حرة ونزيهة، وهذا يعطيهم مكانة رفيعة في المجتمع.
إن أعضاء البرلمان مطالبون اليوم أكثر من غيرهم بمحاربة الطائفية وضربها عندما تطل برأسها من شقوق جدار الوطن، للقضاء على الفتن والتناحر. فأعضاء البرلمان قدوتنا، وبقدر وحدتهم وترابطهم تصلح بقية المؤسسات، وتخرس الأقلام المغرضة لأنها لن تجد ملاذا آمنا لها ولا مشجعا لتفاهتها، إلا أننا وجدنا نوابنا الأعزاء وخصوصا في الأشهر القليلة الماضية اتجهوا للتطاول على بعضهم بعضا، متجاهلين الاهتمام بشئون المواطن ومحاربة الطائفية البغيضة، وأن يقفوا في خندق واحد للمطالبة بتوفير سبل الرفاهية للمواطنين والتخفيف من أعباء مشكلات الحياة التي تواجههم.
إن عتبنا كبير جدا على أئمة المساجد الذين لم يتصدوا إلى هذه الظاهرة الغريبة بالشكل المناسب والمطلوب... بل إننا نسمع بين الحين والآخر في هذا المسجد أو ذاك أقوالا تخالف الوحدة الوطنية والمحافظة على ترابط النسيج الوطني، وتنفخ روح الطائفية بشكل يمقته العقل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الفائدة من إذكاء نار الطائفية بين أبناء الشعب الواحد؟ وما الهدف الأسود المراد تحقيقه من وراء اللعب بنار الطائفية؟ فخالقنا واحد، ونبينا واحد، وديننا واحد، وجميعنا من تراب... فعلامَ هذا التناحر الذي لا فائدة منه؟ وهل الجنة أعدت للمتشددين والمتعصبين والمتزمتين، وهنا يكون دور ائمة المساجد وعلماء الدين الأفاضل في لمِّ الشمل ومحاربة الطائفية في غاية الأهمية، وأن الأئمة الذين يتصدون لمحاربة الطائفية سيجدون جميع أبناء الشعب ينحنون لهم إجلالا فرحين بما يقدمونه من خدمة عظيمة لبناء الوطن والمحافظة على نسيجه الوطني.
إن جل ما يؤرقنا نحن أبناء البحرين بروز داء الطائفية بين بعض شبابنا الذين اتخذوا من الدين وسيلة لتحقيق مآرب خارجة عن نطاق القيم الإسلامية السمحاء. فشبابنا من أية طائفة كانت هم رجال المستقبل، ونحن نعتز ونفتخر بهم. وعليهم أن يقرأوا تاريخ البحرين بتمعن، فسيجدون أن الآباء والأجداد من كلا الطائفتين عاشوا جنبا إلى جنب متحابين، بعيدين كل البعد عن كل ما يفرقهم، وكانوا يتقاسمون لقمة العيش بينهم. فقد جمعتهم مهنة الغوص والبحث عن اللؤلؤ بكل آلام تلك المهنة ومتاعبها. وجمعتهم الحرف التقليدية بكل رتابتها، وجمعهم العمل بمصفاة النفط في العقود الأولى من القرن العشرين، وكان النخلة مصدر رزقهم الثاني بعد البحر. وكانت شيمهم وأخلاقهم وتلاحمهم تتسم بالثبات والاستقامة كثبات النخلة واستقامتها.
إن فرسان الطائفية المنتشرين هنا وهناك مجموعات قليلة جدا، إلا أن ضررها كبير جدا. فهم يمارسون لعبة خطيرة نتائجها مدمرة... مدمرة للحياة بمختلف صورها وأشكالها، وتؤدي في النهاية إلى التخلف والقضاء على التنمية والازدهار والتطور.
إنني أخاطب الجميع وأطالبهم بالتصدي للطائفية البغيضة كل من موقعه، وأقول للجميع: أين أنتم من تاريخنا الثقافي وقيمنا الحضارية؟ أين أنتم من ابن البحرين البار والمفكر العربي محمد جابر الأنصاري الذي تفوح كتاباته العطرة بعبق الوحدة والفكر المستنير، وقد رفع اسم البحرين عاليا برؤاه وأطروحاته الفكرية التي هي الآن مدار اهتمام الكثير من المفكرين والباحثين في الوطن العربي؟ أين أنتم من حسن جواد الجشي، أحد أبرز رواد حركة التنوير في البحرين في العصر الحديث، الذي وظف قلمه طوال مراحل حياته وخصوصا في خمسينيات القرن العشرين لمحاربة الطائفية والدعوة إلى الوحدة.
إن تاريخ البحرين حافل برجالاته المخلصين، وإن أي محاولة لزعزعة الوحدة الوطنية لن يكتب لها النجاح، وستتحطم على صخرة الوحدة الوطنية الصلبة.
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 1971 - الإثنين 28 يناير 2008م الموافق 19 محرم 1429هـ