أعلن الرئيس بوش أن «التحالف بين أميركا و (إسرائيل) يسهم في ضمان أمن (إسرائيل) كدولة يهودية». وهذا يعتبر تراجعا علنيا خطيرا في السياسة التي يتبعها الساسة الأميركان. فهم دائما يؤكدون أن الكيان الصهيوني هي دولة ديمقراطية!
يفضي إعلان «يهودية الكيان الصهيوني» إلى عدة محاور أساسية، أولها هو حق الكيان الصهيوني في إضفاء الشرعية الدينية على جميع أعمال القتل والتدمير بحق الفلسطينيين، وذلك تفسيرا لنصوص توراتية محرفة. وبالتالي يعطي (الإعلان) الضوء الأخضر للاستخدام الديني في شرعنة المنهجية التي تتخذها القيادة العسكرية في «إسرائيل».
ثانيا، فإن هذا الإعلان هو بمثابة إسقاط لحق العودة للاجئين الفلسطينيين. وهو تحريض للكيان الصهيوني على ممارسة العنصرية تجاه فلسطيني مناطق الـ 48.
ولم يكتفِ بوش بذلك في تلك الزيارة المشئومة بل ذهب إلى التأكيد المشترك مع «أولمرت» على ضرورة تطبيق خريطة الطريق في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. وهذا ما يعني «إنهاء المقاومة الفلسطينية».
ولعلّ اللافت للنظر هنا هذا الصمت العربي والإسلامي (الشعبي والنخبوي) عن هذا الإعلان! وأعتقد أنه يضاهي وعد «بلفور» في خطورته، إن لم يكن أخطر! ومفاعيل هذا الإعلان ستخرج إلى العلن على شكل قوانين إضافية لدعم هذه الدولة الدينية، التي تتمتع الآن برعاية سيدة العالم (أميركا).
ويأتي هذا الإعلان من جهة أخرى بمثابة استجابة علنية لمطابخ صنع القرار في أميركا المعروفة بتطرفها الديني التي تستند إلى مؤلفات الجدّ الأكبر الكاهن جورج بوش. تلك المعاهد تقدم الدراسات والبحوث التي تدعم إبادة العرب والمسلمين، وتبرر ذلك إلى أن الظهور الثاني للسيد للمسيح وبداية الألف عام السعيدة يشترطان تجميع اليهود القدامى وسيادتهم في فلسطين.
من جانب آخر، فإن ذلك الإعلان وتلك السياسة الأميركية يفسران الاندفاعة ناحية تفتيت وتقسيم الدول العربية الكبرى؛ ولو بعد حين إلى كيانات طائفية واثنية وعرقية. لكي يعطى المبرر لقيام دولة يهودية في فلسطين.
ولعل المتابع للحوادث التي جرت في الأعوام القليلة الماضية يلحظ تكالب الخطى الأميركية المتصهينة ناحية ترويج المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان للاستفادة سياسيّا منها وبصورة انتهازية ابتزازية.
القاعدة الفكرية موجودة، والغطاء السياسي من أعلى المستويات موجود، والدعم الاقتصادي متوافر... وكلها مقادير جاهزة توفر على الطباخ القادم إلى البيت الأبيض عملية طهوها.
القاعدة الفكرية الدينية التي ينطلق منها بوش هو إيمانه بأنه يستجيب لنداء الرب الذي أوكل إليه «مهمة مقدسة» كما قال عشية حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. هذه هي منطلقات المسيحيين الصهاينة (المحافظين الجدد) في الإدارة الأميركية.
وبوش ينطلق أيضا من ميراث جده الكاهن جورج بوش (الجد) الذي وضع كتابا في العام 1831 تحت عنوان «حياة محمد» وأشار فيه إلى وجوب تدمير امبراطورية المسلمين لكي يتمجد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم... على ذلك سار القس «جيري فويل» المسيحي المتصهين الذي قال: «إن الوقوف ضد (إسرائيل) هو معارضة لله»!
بعد كل ذلك يخرج علينا من يقول إن العاطفة هي التي تحركنا وتدفعنا ناحية استعداء أميركا والغرب! وإننا دينيون وإننا عاطفيون.
ويخرج علينا من يقول إنه لا وجود لنظرية المؤامرة! فإن لم يكن الصهاينة والساسة الأميركان وعلى رأسهم بوش وزمرته هم الدينيون المتعصبون المتصهينون فمن يكونوا بالله عليكم... وإلى الله المشتكى!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1970 - الأحد 27 يناير 2008م الموافق 18 محرم 1429هـ