في مقال سابق تحدثت عن مشكلة البطالة في بلدنا. كما ان الحديث عن هذه المشكلة ليس له حدود، فهو ذو شئون وشجون. لكننا اكتفينا بمجرد شذرات على أمل أن نعاود الكتابة مرة أخرى.
هذا جانب، أما الجانب الآخر، فإن مشكلات البحرين لا تقف عند البطالة - على أهميتها - فبلدنا على صغر حجمه الجغرافي والسكاني يعج بالكثير من المشكلات التي لها أول وليس لها آخر.
تحضرني هنا على سبيل المثال المشكلة الإسكانية وهي قديمة متجددة، والمشكلة الصحية، والمشكلة البيئية، والمشكلة التعليمية، والمشكلة الثقافية، هذا فضلا عن المشكلة الاقتصادية المتعددة الجوانب والأبعاد، والمشكلة الاجتماعية ذات الأوجه الكثيرة من قبيل الفقر وتخلف بعض العادات والتقاليد عن الركب الحضاري، وهدر الوقت وقلة الإنجاز، وخصوصا في أجهزة الدولة وظاهرة الارتشاء، وغيرها كثير.
والحقيقة ان كل قضية من هذه القضايا بحاجة الى جهود متعددة الأوجه والأبعاد حتى يمكن مقاربتها وإيجاد الحلول المناسبة لها.
إلا ان هذه المشكلات وعلى رغم الصفة أو النسبة التي تلحقها في الأخير كقولنا «المشكلة الصحية»... الخ، فهي من حيث الأساس مشكلات سياسية بامتياز، وحتى تلك المشكلات التي قد تبدو أبعد ما تكون عن السياسة، هي من حيث التحليل النهائي ليست إلا قضايا سياسية تقتات على السياسة ومن السياسة. فعلى سبيل المثال يمكن الملاحظة لأول وهلة أن المشكلة الصحية هي مجرد قصور في الخدمات المقدمة إلى المواطنين، بسبب قصور في معارف هذا الطبيب أو ذاك، أو بسبب قلة دراية هذا الموظف أو ذاك، أو بسبب خطأ فردي هنا أو هناك.
لكن هذا كما يبدو المشكل الصحي ظاهريا. أما في العمق فإن هذه المشكلة مرتبطة بالسياسة الصحية العامة في البحرين طوال العقود الأخيرة، وهي سياسة لها جوانبها الإيجابية من حيث تعميم الخدمات الصحية على البلاد من أقصاها الى أقصاها. وفي المقابل لها جوانبها السلبية التي تطغى على تلك الإيجابية. معنى ذلك أن المشكلة الصحية لا تحل بذهاب وزير ومجيء آخر - مع أخذ ذلك في الاعتبار - ولا بحلول فنية إجرائية. إنما تحل عبر انتهاج سياسة صحية عامة تأخذ كل التفاصيل المتعلقة بالمشكلة الصحية منذ بروزها. وهو الأمر الذي تفتقده بلدنا، فما هو قائم ليس سياسة صحية بل إجراءات مرتجلة في الغالب وتفتقر الى التخطيط المحكم والحكيم ويعتريها التخبط والمحسوبية.
وهذا هو السبب الحقيقي في استفحال المشكلة الصحية وتسيب القطاع الصحي في البلاد على طول الخط، إلى درجة ان الخدمات الصحية في البحرين أصبحت حديث الشارع ومثار تذمر الأهالي.
تلك مجرد أفكار أولية عن المشكلات لدينا. وما هو قائم في القطاع الصحي ينسحب بهذه الكيفية أو تلك على باقي القطاعات، وستظل المشكلات قائمة طالما السياسة الحكيمة غائبة والارتجال هو سيد الموقف
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ