العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ

أغنى الله المواطنين عن الـ «40 مليون دينار»

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

يبدو أن سبب مأساة الشعب البحريني هو أن الله سلط عليه بحكم البلوى «مسئولين» يتعاملون مع مسئولياتهم تجاهه بمنطق الربح والخسارة، ويسعون لتحصيل أكبر مقدار ممكن من «الخردة» ومن «وصخ الدنيا» حينما «تتكرم» به الحكومة الرشيدة والدولة الفاضلة علي مواطنيها لا عبيدها ومخدوميها، ويبدو أنها قد لا تتورع أبدا في ذلك من استجلاب أتعس المتفلسفين والمتفيقهين في كل شاردة وواردة من الذين يضعون لكل نص ألف معنى ومعنى ويصوغون للمعنى مليون لفظ وألف لفظ ربما ليثبتوا بأننا العرب أمة الكلام والألفاظ المترهلة التي تغني عن رشاقة المضمون!

حقيقة لا أعلم لماذا يتعامل بعض مسئولي الحكومة مع الشعب بأسلوب الراحلة ملكة فرنسا ماري أنطوانيت التي اقترحت على شعبها الذي لم يجد خبزا ليأكله بأن يأكل بدلا منه كعكا وبسكويتا، وقد ألقم الفرنسيون الثائرون بعدها عنقها لمقصلة الثورة؟!

لماذا يصرون على أن تأتي ثورة الجياع، ولا محالة، لذلك إذا ما استمرت وسائل الإذلال المعنوي والمادي في حق هذا الشعب، ولا يستطيع أي منها أين يقررها ويشعلها، فهي لوحدها تتفجر كحمم بركانية صهيرة قد تحرق البيوت والمخازن وتسفك الدماء وتهتك الأنفاس لأجل لقمة العيش الكريمة، وثورة فجائعية مقدسة كهذه، لا قدر الله، ستحرق الأخضر واليابس إيمانا بمبدأ الجوع كافر، وقد تضم حتما غالبية الشعب من مواطنين وما دون المواطنين ممن استثنتهم «لوثة التجنيس» غلطا أو عن غير غلط؟!

ولن تجدي بعدها أية وسائل تحريضية سافلة لحرفها عن مسيرتها، أو بالأحرى حرفها عن أهدافها في إطلاق شراسة الفرد ووحشيته على آخرها حينما تنتهك كرامته وأبسط حقوقه من قبل من هم معنيون بالمحافظة عليها! وسيرون حينها كيف سيهرب مع أول حريق لفيف الجرذان السمان والمرتزقة والطفيليون! وسيرون حينها كيف ستحترق «برانيص» الإنجازات الخرافية في غمضة عين! وكيف ستبكي الضباع التي ضحكت كثيرا ولكنها بكت بكاء مرا أمام حريق نشب في فتات الموائد والولائم اللئيمة المقامة على شرف جوع وذل الشعب!

أعجب بصراحة من أن يصر بعض مسئولي الحكومة غير الراشدين وغير المسئولين البتة على الإساءة بمساعيهم وتصرفاتهم وعقلياتهم التعيسة إلى رجالات وقادة هذا البلد الكرام، ويحاولوا بأفعالهم الشانئة تحطيم جسور المودة والمصداقية بين الشعب وقيادته!

هل ترضى قيادتنا السامية بأمثال هؤلاء ممن يصرون على التمسك بتصرفاتهم غير المسئولة والمنافية لاحترام هذا الشعب وكرامته وإنسانيته وظروفه المعيشية الصعبة؟! هل يرضى رموز الوطن ورجالات القيادة السامية الذين وعدوا الشعب بتحسين معيشته أن يقوم مسئولون بعرقلة تنفيذ تلك الوعود، وتشويه صورتهم وبإحراج نواب الشعب وحتى نواب تكملة العدد وبالتالي السعي إلى إفساد «المشروع الإصلاحي» وتشويه صورة القيادة والإساءة لها أعظم الإساءة البالغة لدى الشعب؟!

لا أعتقد أنه يخفى على رجالات هذا البلاد وقادته أنه لطالما كانت هنالك بطانات سوء وقاعدة تحتية وظيفية فاسدة وتعيسة سببا رئيسيا في إحداث أسوأ أشكال السقوط والتردي والانحدار إلى مهاوي الهلاك في مختلف أصقاع العالم، وعملت تلك القواعد غير الجديرة بالثقة والاحترام على التفريق بين الشعب وقيادته.

لعل ما يعذب الشعب البحريني الكبير بطيبته وسماحته الأصيلة التي تجد لكل غلطة وخطيئة في حقه ألف عذر وذعر هو أنه محاط بمن يزايدون عليه في لقمته وشرابه وهوائه الذي يتنفسه، وعلى رغم كونه يحظى بمسئولين أثبتوا أنهم غير مسئولين، ومتنفذين على رغم سطوتهم الفرعونية إلا أنهم لا يتنفذون في النهاية إلا في غيران ذواتهم وثقوب خرق وأسمال حيائهم، وهم يظنون أنهم قادرون على رغم كل ذلك على مزاحمة الإله في مهماته واختصاصاته، والعياذ بالله، فهم بسبحانيتهم المصطنعة يخلقون النشطاء والمحللين السياسيين وكتاب الأعمدة وكتاب العيدان وكتاب الألواح وكتاب «الكشبار» من عدم، وهم قادرون بإعجاز على تحويل حظائر الدجاج وأوكار «البش» إلى جمعيات وتيارات سياسية واجتماعية وخيرية أو إلى «منظمات مجتمع مدني»، وهم قادرون على أن يصوغوا رئة الذهب من كبد «الزفت»، وهم يخلقون من صدر المأساة المحطم ألف قميص وقميص لـ «إنجازات خالدة» لا تعد ولا تحصى، وعلى رغم كل تلك القدرات الخارقة التي يحظى بها المتنفذون والمنفذون وكبار المسئولون إلا أننا نرى من ألهتهم ولمعتهم أبواق الصحافة وعلماء السلطة أو قل عجول بني إسرائيل يعجزون عن إطعام الشعب وتحسين وضعه المعيشي بشكل لائق!

ولعله يقدر لها أن تأتي من باب شر البلية ما يضحك بعض الأبواق الصحافية التي قد لا تتردد في أن تكرس معاني الزبائنية السياسية «Clientism» في هذه البلاد بكل ما في الكلمة من معنى، ولن يضير أخلاقيتها ومهنيتها شيئ في أن تفرد لذلك صفحة ملونة كاملة تتناول مثلا موضوع عجوز مسكينة تقطن في أحد الأزقة البائسة، وقد احترق عشاؤها فقامت الحكومة حينها بإعطاء العجوز وجبة «هابي ميل» تعويضا فكسبت معها الولاء، وربما قامت بعدها «المحافظة» ومعها «عضو المجلس البلدي» و»نائب الدائرة» لا نائب الشعب بالتقاط الصور الجماعية مع هذه العجوز من دون أن يستروا حرمتها، وحرمة عشائها الفقيد، وحرمة ولائها للعبة!

لقد ابتلينا للأسف كثيرا في هذه البلاد الفاضلة المنكوبة على «إنجازاتها» التي لم ير منها المواطن المعادى من قبل «المسئولين» والمتنفذين شيئا يلطف من وبال معيشته، هذا المواطن المسكين الذي لربما يتمنى أن يعاد النظر في تلك الخطيئة الجغرافية النكراء، والعياذ بالله، والتي جعلت من البحرين في أحضان الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية بدلا من أن تكون في بلاد الشام المدقعة فقرا وفسادا وطائفية أو غيرها من بلدان العالم الخامس، فهذا الشعب يتعذب كثيرا وخصوصاُ إن كان له بحكم الطبيعة القدرية أصدقاء وأقرباء وأنسباء في الدول الخليجية الشقيقة المجاورة لا يكلون ولا يملون من المباهاة بحكومات بلدانهم والافتخار بجهودها لتحسين معيشتهم وما تمنحهم إياه من إنجازات، فهل ستقوم الدولة بسحب جميع جوازات المواطنين والمجنسين وستغلق المطارات والمنافذ؟!

المواطن يتمنى لو يدعى نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وحاكم دبي سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى هذه البلاد ليقدم نصائحه وتجاربه المبهرة في معالجة الأزمة الإسكانية، وفي كيفية احترامه وتقديره لمواطنيه، وكيف لا توجد هنالك لديه فروقات قارية شاسعة في سرعة الإنجاز والإتقان بين مشروعات حيوية أسطورية كبرى، وبين إنشاء وحدات سكنية للمواطنين، وبين منح رواتب أو علاوات معتبرة مواطنيا تقدر ظروف المواطنين الصعبة وتنصفهم كما أنصف أشقاؤهم في البلدان المجاورة!

إن ما يعذب المواطن البحريني الذي يمنون عليه في مواطنته وفي حقوقه هو أن يبخل عليهم بغرغرة معيشية يتم تقسيطها وتبخيرها لهم إلى حد لا تصلح فيه إلا لإنشاء ضريح وحائط مبكى فخم!

إن ما يعذب من أسموه «مواطنا» هو أن يكون حال اغترابه كتلك الحال التي وصفها الشاعر الراحل خليل حاوي فقال:

جبهتي، لوني، لساني، ويدي

خلعت حولي

مناخا عربيا، صافيا

من بلدي

وتهاوت بين أشداق الخفير

بين عينيّ

ملفات من المكر الأجير

واكتوت أذني

بغصات البلاغة

وصراع بين لفظ أعجمي عربي

في الصياغة...

ليس لي في الأرض

درب، موطئ، سقف، سرير

فاتني حظ الأسير

إن كان التضخم ظاهرة عالمية وتحديا طبيعيا في الحدوث إلا أنه يستوجب استجابة عملية طبيعية لا معتلة، وإلا لأحدث شروخا طبقية ومجتمعية بالغة الخطورة والحدية تفوق حجم أورامه السعرية بكثير، وذلك من الطبيعي أن يحدث في بلاد من الممكن أن تحال فيها أوراق المحارم وأوراق «التواليت» وأوراق الزهور والأشجار إلى أسلحة طائفية فتاكة كما هي بلادنا، فهل سيسمحون للمواطن المسكين ورب العائلة المقهور بأن يدعوا على أعداء الشعب ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل! حسبي الله ونعم الوكيل؟!.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً