العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ

لتصنع الحضارة الرصاصة، ولكنْ عليها حماية البنسلين!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الحضارة لن تكون حضارة، ما لم تُعْلِ من قيمة الإنسان، وما لم يكن هو مركزها. تصنع الرصاصة لتحمي «البنسلين»، وليس العكس.

@@@

الخلط قائم وبات واحدا من الأخطاء الشائعة في النظر والصياغات المعاصرة. خلط يضع ما أنجز اليوم على صعيد مادي بحت في خانة الحضارة، فيما القائم اليوم يكاد جزء كبير منه يهدد المنجز الإنساني كله منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، وهذه الردّات العنيفة على ما هو قائم، لا توجه اليوم باعتبارها مهددة للقيم، خصوصا مع تحول الأشياء ذاتها الى قيم كبرى: قيم السوق، قيم العولمة، قيم الإعلام، قيم شبكة المعلومات، قيم الإنفاق، وبمعنى مجمل، قيم الإستهلاك، وإنْ قابله إنتاج له قيمه الخاصة أيضا، فيما القيم المفترض بها أن تكون حاضنة ومروّضة لشراسة كل ذلك، يتم استبعادها من كامل المشهد الراهن

@@@

في كتابه «الفأر والذبابة والإنسان» يقرأ الحائز على جائزة نوبل في الطب، وعضو الأكاديمية الفرنسية فرانسوا جاكوب، في عدد من فصوله جانبا من تلك المقاربات... مقاربات القيم وحركتها في الحضور الإنساني، وشكل وتوجه ذلك الحضور، إما باتجاه الخرافة... السوريالية في التعاطي مع مجمل الحوادث، وإما بواقعية غرائبية أحيانا لم تعد مقنعة في هضمها أو حتى محاولة هضمها، وإما على درجة كبيرة من الفهم لطبيعة النفس الإنسانية، وتطرح بدائل قادرة على انتشالها من لعبة المقامرة التي تمارس على قدَره، ولكنها في الوقت نفسه لا تملك صوتا عاليا، لا تملك الأداة الوحيدة التي باتت مفهومة وقادرة على الإقناع: القوة أولا... والقوة أخيرا!.

«من المهم أن نلاحظ أن صناعة المستقبل في نهاية هذا القرن( القرن العشرين المنتهي) قد راحت تزدهر في مجتمعنا الغربي، ففي فرنسا، لا يقل عدد السحرة والعرافين والبصّارين والمنجمين وغيرهم من قارئات «كروت» الطالع، عن أربعين الفا، يتقاسمون بينهم رأسمال قوامه عشرات البلايين من الفرنكات الفرنسية، ويبدو أن عشر الفرنسيين، ومن ضمنهم عدد معتبر من القادة السياسيين الذين يبدو أنهم يتصرفون على شاكلة ملوك «الإلياذة» يقومون باستشارة بصارتهم أو منجمتهم المفضلة على نحو منتظم تقريبا».

إذن العالم ذاهب باتجاهات سوريالية في ظل إيقاع مدنية يبدو أنها تحضّر الإنسان للعودة ثانية الى بدايات المنجز البشري، وهو تحضير يؤكده اللهاث الذي يبدو أنه لن ينقطع وراء الوقوف على «وصفات رخيصة» تضمن تحقيق «انجاز» الفناء البشري. لكأن هذه المدنية تنجز كي تفني ما أنجزته، ومع ذلك لا أحد يملك القدرة على التنبوء بالوجهة التي سيسير فيها ذلك الفناء.

في كتابه «البشرية المضطربة» يقدّر أدولف هود، ان ما سينفق على سباق التسلح في العالم خلال السنوات العشر المقبلة (نبوءته كانت في نهاية الثمانينات) سيبلغ 4 تريليون دولار».

@@@

«في فيلم أخرجه رونيه كلير بعنوان «حدث غدا» يتعرف صحافي شاب على شبح يقوم بمساعدته، ويقوم الشبخ كل يوم بإرسال صحيفة الغد الى اليه، ما يمكنه من معرفة ما سيكون عليه الغد. يعرف الحوادث والمخاطر والمشروعات ونتائج السباقات وتغيرات البورصة. ويحقق من تلك الخدمة نجاحات في مشروعاته بما في ذلك الغرامية. يستمر الأمر على هذا المنوال، الى ان يقرأ الصحافي في الصحيفة خبر موته في الغد. يمتلئ رعبا ويهرب لتجنب قدره، ولكن عبثا فلا يمكن له الإفلات منه، اذ هو في مكان وساعة موته. ومع ذلك ينتهي الفيلم نهاية سعيدة، لأن الصحف تحمل أخبارا خاطئة أحيانا!.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1968 - الجمعة 25 يناير 2008م الموافق 16 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً