قالها أبوعلي، وأبوعلي صادق «لا أمل في هذه المنحة إلا بعد تنشيف ريق الأولي والتالي»... فعلا، «نشفوا ريقنا على هالكم دينار وما ندري بيعطونا إياها وإلا لا»، وليس الأمر بغريب عليهم، فهذا ديدنهم مع كل مبادرة أو أمل في إزاحة «شعرة» ليس أكثر عن كاهل المواطن المثقل بجبال راسيات من هموم ومشكلات تمس كل ما يتعلق بحياته حتى الصغيرة منها، ولد وهي موجودة وما آن لها أن تحل بعد!
من 200 دينار لكل مواطن، إلى 70 دينارا لكل مواطن، إلى 50 دينارا لكل أسرة، وتقليص الموازنة من 40 مليونا إلى 8 ملايين دينار، ولا ندري إن تتبعنا مسلسل (انزل وارتفع) هذا على ماذا «سنصفي» في النهاية؟! الخوف أن تتحقق مقولة مواطن آخر غير أبوعلي عندما فجرت قنبلة الأربعين دينارا للمرة الأولى... قال: «لا تستانسون، تو الناس، الحين المجلس بناقش الموضوع وبيدرسه، وبعده اللجان بتتداول كم تعطينا، الحين 200 وباجر بيقلصونها، ويمكن ما نصفى إلا على دينار، لا وبعد ما بيصرفونه لنا إلا بشروط ومعايير»!
المقتطفات تلك على بساطتها وسجيتها تحمل الكثير من المضامين، التي أراها مهمة جدا، بل هي أساس القضية التي يجب أن تركز عليها جميع المناقشات والمداولات المزعومة... القضية أساسها المواطن الذي هو المركز الذي تتمحور حوله أطراف اللعبة كلها، ونتيجتها سواء بالسلب أو بالإيجاب ستعود عليه هو وحده (هذا إذا سلمنا أن العلاوة جاءت عونا للمواطن تحديدا لانتشاله من براثن الغلاء)، فالجهات التي أوكلت إليها مهمات التداول للخروج بآلية موحدة لصرف الملايين، يجب أن تضع في اعتبارها أنها تتداول في أمر المواطن أولا وأخيرا والذي عمت عينيه الأربعون مليونا فبشر بالفرج وخطط لحياة أفضل (ولو بقليل)، وأنها تزايد وفقا لذلك على المواطن قبل أن تزايد على مبالغ مالية.
قلتم 200 دينار وقبلنا على رغم قلة نفعها مقارنة بنار الأسعار. ثم 70 دينارا في الشهر لكل مواطن لمدة سنة فقط وقلنا «خير وبركة»، لكن يا من اقترحتم 50 دينارا لكل أسرة، هل حسبتموها «صح»؟ هل وضعتم في اعتباركم أن «خيشة العيش» فقط تكلف 20 دينارا وأكثر، أي أن أكثر من ربع المبلغ سيطير على شيء واحد أساسي؟!... تتشدقون بمطالبتكم بتحسين الأجور والأوضاع المعيشية للمواطنين وكذلك المتقاعدين فتستكثرون عليهم «الفتات» الذي «تتبرع» به الحكومة بين الفينة والأخرى لتشغل الناس عن بطونهم التي نهشها الجوع؟!
من الواضح مما ذكر (وما لم يذكر كثير) انعدام ثقة المواطنين في الجهات الرسمية عموما، ويأسهم من أن يعدل حالهم بجرة قلم... ولهم في ذلك كل الحق الذي تفنده تجارب سابقة كان آخرها اللغط بخصوص زيادة 15 في المئة في رواتب القطاع الحكومي التي تدحرجت وارتفعت وانخفضت... إلخ، والوعد بالتصدي لأية موجة غلاء إلى أن ارتفعت حتى أسعار السلع الأساسية بدعوى «عالمية الغلاء» وليس محليته!
واليوم، أعيد بث المسلسل من جديد بالحلة نفسها ولكن بمبلغ أكبر ولأكثر من قطاع، والمواطن بين متابع (مقهور) ومستسلم للواقع (اللي بيعطوني إياه كيفهم، وشعرة من راس «....» فايدة) وغير متابع بتاتا (ما له بعوار الراس)... فيما الصراع محتدم بين الجهات المختصة؛ جهة تؤكد توجه الحكومة إلى خفض المبلغ، وجهة تنفي، وجهة تعارض وأخرى تؤيد... في مسلسل اختارت أن يكون مدبلجا حتى يتجاوز في حلقاته الثلاثين حلقة المعهودة في المسلسلات العربية... والسؤال المشروع هنا: متى سيمنح المواطن حقه بلا منة ولا ذلة؟!
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 1964 - الإثنين 21 يناير 2008م الموافق 12 محرم 1429هـ