جلس مرزوق مع بعض أصحابه أمام شاشة التلفزيون يشاهد أخبار الحرب الأميركية على العراق، وكيف يتم إطلاق الصواريخ المتطورة، وكيف تطير الطائرات العملاقة التي تحمل أسلحة «ذكية» في القتل والتدمير، وكيف يتحدث جورج بوش محاولا تبرير الهجوم الأميركي على دول أخرى لا تعجبه، وكيف يحاول تبرير خططه للسيطرة على النفط وعلى المنطقة، وكيف يستعد الإسرائيليون بعد أن أبلغهم الأميركان بساعة الصفر قبل أن يبلغوها حلفاءهم الانجليز، وكيف تعرب دول أخرى عن أسفها لعدم تمكن صدام من إيقاف الحرب من خلال الخروج مع ولديه عديّ وقصيّ إلى الإمارات أو البحرين، وبالتالي إقناع الأميركان بعدم الهجوم، وكيف أن هذه الدول لم تسمع كلام الأميركان بأنهم سيدخلون العراق حتى لو هرب صدام مع عديّ وقصيّ خارج البلد، لأن الهدف ليس صداما، وإنما العراق ونفطه، والسيطرة على مقدرات الدول العربية والإسلامية. فبعد العراق هناك قائمة طويلة من الدول والمؤسسات والجمعيات والأشخاص الذين تود أميركا معاقبتهم لأنهم لا يصفقون كثيرا ولا يطيعون الولايات المتحدة في كل شيء...
اعتقد مرزوق بأن الطامة الكبرى قد أثرت على برامج القنوات العربية، فقرر الانتقال إلى القنوات الفضائية العربية، ولكن كانت هناك طامة كبرى أخرى... فإحدى القنوات كانت تبث مقتطفات من كتاب (ليس كتاب الله) يشرح كل شيء حدث ويحدث وسيحدث في الكون منذ أن خلق الله الأرض وما عليها، حتى انتهاء هذه الأرض على يد الإنسان أو الطبيعة.
كاد مرزوق أن يتقيأ وهو يشاهد قناة تلفزيونية يبدو انها لا تعيش في هذا العالم، وغيّر المحطة إلى جهة أخرى... تلفزيون عربي آخر كان يبث الأغاني التي تمجد الحاكم، وكيف أن الله منّ على ذلك الشعب العربي بأفضل حاكم نشر الأمن والاستقرار والخير والازدهار إلى الدرجة التي لا يحتاج معها التلفزيون الى ازعاج المواطنين بما يحدث في العراق...
إلى محطة أخرى، وإذا بها تتحدث نيابة عن أميركا بطريقة لم يتوصل لها الأميركان بعدُ، في تأييد سياستهم الذاتية... والمحطة تتحدث عن جورج بوش وكأنه الرئيس (رئيس كل مكان)، فحتى العبارات تختصر وتشير إلى «خطاب الرئيس»...
إلى محطة أخرى، وإذا بها تبث برنامجا عن أفضل أغنية، وإلى محطة أخرى لم تفتح بعد، وربما أغلقت أبوابها بانتظار تحديد موقفها، وربما لعدم معرفتها بما يجري حولها.
تصريحات كثيرة لمسئولين كثيرين من دول عربية كثيرة، ولكنها بلا فائدة كثيرة...
هذا التصريح يدعو الله أن يحفظ ما يتبقى من الشعب العراقي العزيز، وآخر ينادي بوحدة الأراضي العراقية تحت الحكم الأميركي المقبل.
جماهير الأمة خرجت في بلدان عدة تهتف بشعاراتها، وتنادي بأعلى صوتها، إلا ان صوتها تم اخماده ولا أثر له، ولأول مرة يتساوى الشعب والحكومة أمام الأميركان، فكلاهما لا قيمة له أمام الاعتبارات الأميركية، وكلاهما لا يستحق ذرة اهتمام... بعكس الاهتمام الكبير «برجل السلام» شارون (بحسب تعبير الرئيس)... فالرئيس (رئيس الولايات المتحدة والعراق وبقية الدول العربية لاحقا) أخبر رجل السلام بساعة الصفر قبل بدء الحرب... بينما عرفنا بساعة الصفر عندما سمعنا دوي الطائرات تنطلق في السماء لتمطر العراق بصواريخ «ذكية» تبحث عن أناس معينين تشك أميركا في انهم ارهابيون (وكل واحد فيهم اسمه يدل على أنه عربي أو مسلم)..
إقرأ أيضا لـ "حظك يا مرزوق"العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ