لقي مدون «بلوغر» صيني مصرعه بعدما تعرض للضرب والتعذيب بموجب أوامر أصدرها مسئولون محليون بمقاطعة «هوبي» في وسط الصين، إثر قيامه باستخدام هاتفه المحمول في تصوير مواجهات بين موظفي الإدارة الحضرية «تشنغهوان»، وقرويين بالمقاطعة. وقالت وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» إن «الحادث» أثار انتقادات واسعة بين عشرات الآلاف من مستخدمي الانترنت، كما أصدر اتحاد الصحافيين الصينيين بيانا أدان فيه قيام المسؤولين المحليين بقتل البلوغر وي ون هوا.
ترى ما الذي يدفع دولة عظيمة بحجم الصين إلى شن حرب على مواطن أعزل لايملك أكثر من موقع متواضع على الإنترنت يعرف بإسم «المدونة»، أو «البلوغ»؟.
إن كلمة «مدونة» كما وردت في الموسوعة الإلكترونية «ويكيبيديا» هي «التعريب الأكثر قبولا لكلمة (blog) الإنجليزية التي هي نحت من كلمتي (web log) بمعنى سجل الشبكة (... ) وهي تطبيق من تطبيقات الانترنت، يعمل من خلال نظام لإدارة المحتوى، وهو في أبسط صوره عبارة عن صفحة ويب على شبكة الإنترنيت تظهر عليها تدوينات (مدخلات) مؤرخة ومرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا ينشر منها عدد محدد يتحكم فيه مدير/ ناشر المدونة، كما يتضمن النظام آلية لأرشفة المدخلات القديمة، ويكون لكل مدخلة منها مسار دائم لا يتغير منذ لحظة نشرها يمكِّن القارئ من الرجوع إلى تدوينة معينة في وقت لاحق عندما لا تعود متاحة في الصفحة الأولى للمدونة، كما يضمن ثبات الروابط ويحول دون تحللها».
وتتراوح الموضوعات التي يتناولها الناشرون في مدوناتهم ما بين اليوميات، والخواطر، والتعبير المسترسل عن الأفكار، والإنتاج الأدبي، والموضوعات المتخصصة في مجال التقنية والإنترنت نفسها. وبينما يخصص بعض المدونين مدوناتهم للكتابة في موضوع واحد، يوجد آخرون يتناولون موضوعات شتى في ما يكتبون.
تختلف موضوعات «البلوغز» باختلاف أصحابها، منها الاجتماعي، الأدبي، الفكري، التصويري.. ويبقى للاتجاه السياسي مكانة خاصة عند معظم الفئات الشبابية، اذ جاءت هذه الوسيلة خير تعبير عن آرائهم الخاصة وتحليلاتهم للأحداث التي يمر بها البلد، وأصبح تدوينهم للأحداث، عرضها، تحليلها، وانتظار تعليق الزوار عليها، خير مشاركة في العملية السياسية الكتابية إذ الرأي يبقى حرا حتى لو كان بين الناشر والقارئ تعليقات تقسو أحيانا وتظهرالانقسامات الحادة والاختلافات في وجهات النظر بعيدا عن أي رقابة فعلية.
بفضل ذلك تحولت المدونات إلى ما يشبه الخدمة الإلكترونية التي تلقى اهتماما واسعا عند الشباب وباتت في الفترة الأخيرة حاجة ضرورية لمستخدمي شبكة الانترنت. وساهم النمو المزدهر لوسائل الإعلام الجديدة على حساب الوسائل القديمة في الترويج لظاهرة المدونات. فقبل نصف قرن فقط، كانت الصحف عملاقة في عالم الإعلام. ولكن خمسين سنة من التوسع في الأخبار المذاعة، وأخبار التلفزيون «الكايبلي» التي تُعرض على مدار الساعة، أسقطت الصحف من مركز الهيمنة الذي كانت تحتله سابقا. وبغية التمسك بمكان لها في قطاع الأعمال الإخباري، وللمحافظة على قدرة منتجها الإعلامي على البقاء والاستمرار ضمن لعبة ازداد التنافس فيها، ولتتمكن من البقاء مؤسسات أعمال مربحة، بدأت الصحف تعرض منتجاتها على شبكة الإنترنت.
وقد اكتشفت صحف أميركية كثيرة أهمية بل وضرورة إدخال البلوغز في «مطبخها»، وفرز فرق تحرير تقفها على المدونات، وضبط معاييرها لتتفق مع معايير المطبوعة، و «تبنّي» مدوّنات قرائها ضمن شروط، تبدو السلطة الرابعة الأميركية متصلة بالبلوغ بصلة رسمية. وشرعت المدوّنات تجتذب وسائل الإعلام بفرنسا. إذ تقدر مؤسسة «ميدياميتري» الفرنسية عدد رواد الانترنت الذين يتصلون بمدونة، في الشهر 8,7 ملايين، في نهاية العام 2006. واللافت أن هذا العدد يضم أجيالا ألفت وسيلة التعبير الجديدة (أي البلوغ)، لا تقبل على ما تنشره غالبية وسائل الإعلام، العاجزة عن استجابة أسئلة المستمع أو القارئ. وطلبه الإجابة الفورية، وتتمتع المدونات بحرية الانتماء والاختيار، وبشيء من الفوضى. وهي دعوة دائمة الى الحوار.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1955 - السبت 12 يناير 2008م الموافق 03 محرم 1429هـ